على الرغم من تفشّي ظاهرة التنمّر في مدارس ​لبنان​-بحسب ما أظهرت أكثر من دراسة مُتخصّصة، كان آخرها ما قامت به جمعيّة "إنقاذ الطفل"، والتي بيّنت أنّ طفلاً من إثنين في لبنان يتعرّض للتنمّر في إحدى مراحل حياته، فإنّ لا إجراءات تُذكر من الإدارات الرسميّة المَعنيّة في وزراة التربيّة وتفرّعاتها، ولا في إدارات ​المدارس​، مع إستثناءات محدودة تتمثّل في بعض التوجيهات والإرشادات التي لا تُغيّر حرفًا في الواقع القائم. فما هي أسباب هذه الظاهرة، وما هي تأثيراتها الإجتماعيّة، وكيف يُمكن مُواجهتها والحدّ من مخاطرها على الجيل الناشئ؟.

بالنسبة إلى الأسباب-وبعكس ما يظنّ الكثيرون، فإنّها وإن كانت ترتبط بشخصيّات الأولاد الذين يَقومون بالتنمّر بحقّ رفاقهم في المدرسة، فهي تعود في الأصل إلى أسلوب التربية المُعتمد من قبل أهالي هؤلاء الأولاد المُتنمّرين. فالولد الذي يُعنّف جسديًا أو لفظيًا في منزله بشكل دائم وغير مُبرّر، سيكون أمام خيار من إثنين: إمّا الإنطواء على نفسه وعدم الإختلاط إجتماعيًا، وإمّا مُمارسة ما يتعرّض له من تجاوزات بحقّ رفاقه في المدرسة، في مُحاولة ل​تفجير​ كبته، وكأسلوب للإنتقام من نفسه الخاضعة، يُوجّهه بشكل مُتعمّد نحو الآخرين! والولد الذي تتمّ تربيته بشكل مُتخلّف، لجهة تعليمه السُباب والشتائم منذ صغره كتعبير عن رُجولة مُتخلّفة، وإرغامه على تعلّم الفُنون القتاليّة حتى لوّ كان يكرهها، وعدم تلقينه مبادئ الخير والشرّ المعروفة، وعدم إرشاده وتثقيفه للتمييز بين أفعال الخير والشرّ، وعدم حثّه على التعامل بإيجابية مع رفاقه ومع الآخرين بشكل عام، قد يتحوّل بسُهولة إلى مُتنمّر، ظنّا منه أنّها صفة تفوّق، يجب عليه التمتّع بها لإخضاع الآخرين.

ومن الضروري التنبّه إلى أنّ ظاهرة التنمّر لا تقتصر على عبارات جارحة بحقّ كل من هو مُختلف، أكان قصيرًا أم ممشوق القامة، ضعيفًا أم بدين الجثّة، أسود البشرة أم أبرص البشرة، أو عنده أي إختلاف جسدي، إلخ. ولا تقتصر على مُمارسة العزل الإجتماعي بحق الضحايا، وعلى التعرّض لهم بالضرب أحيانًا، بل يُمكن أن تشمل التهديد الدائم، والتعامل بشكل "إستعبادي" مع الضحايا-إذا جاز التعبير. وغالبًا ما يُصبح الشخص الذي يتعرّض للتنمّر بشكل دائم خائفًا ومُرتبكًا من الآخرين، ويُحاول التغيّب عن المدرسة عبر خلق الأعذار الواهية، وعندما يُرغم على الذهاب يسعى دومًا إلى الإنزواء، والى تجنّب أيّ إختلاط برفاق الصفّ والمدرسة عُمومًا. ومع الوقت تصبح تأثيرات ظاهرة التنمّر مُدمّرة على المُستوى النفسي للضحايا المعنيّين، وهي تُوجد لديهم مجموعة من العُقد التي يصعب التخلّص منها بسُهولة، حتى بعد مُرور سنوات طويلة على الحوادث التي تعرّضوا لها.

وبالتالي، لمُواجهة ظاهرة التنمّر التي تطال الأولاد الصغار في المدارس لا يجب الإكتفاء بتعليمهم الدفاع عن أنفسهم، ومُواجهة المُعتدين، لأنّ شخصيّات الكثير من الأطفال رقيقة وحسّاسة ولا تسمح لهم بالمواجهة اللفظيّة من الندّ للندّ، وحتى انّ طبيعة أجسام الكثير منهم لا تسمح لهم بالمُواجهة الجسديّة المُتكافئة. من هنا، من الواجب أن يكون العقاب ضُد الأطفال المُتنمّرين قاسيًا في المدارس، وأن يتم فورًا إستدعاء أولياء هؤلاء المُعتدين والأشقياء، وتحميلهم مسؤوليّة ما يقوم به أطفالهم ضُد الأولاد الآخرين في المدرسة، لأنّ جُذور هذا السُلوك العدائي تعود إلى تربيتهم المنزليّة وإلى المفاهيم الخطأ التي تشرّبوها من أهلهم وأولياء أمورهم. فالتربية الصحيحة من جانب الأب والأم والأهل عُمومًا، والمبنيّة على التهذيب والأخلاق الحميدة وعلى حُسن التصرّف في المُجتمع، هي التي تُقلّل عدد المُتنمّرين في المدارس، والذين يتحوّلون في سنّ الرشد إلى مُتنمّرين في العمل أيضًا!.

في الخُلاصة، الولد المُتنمّر يجب أن يُعاقب أشدّ عقاب ليُردع عن تكرار إعتداءاته، والولد الضحيّة يجب أن يُسَاعد ليتمكّن من الدفاع عن نفسه من الناحية الميدانيّة، ومن تجاوز الإساءات الظالمة بحقّه من الناحية النفسيّة. لكنّ الأهمّ مِمّا سبق، ضرورة إستدعاء أولياء المُتنمّرين إلى المدارس، لتبيلغهم إعتراضًا شديد اللهجة بشأن سُلوك أبنائهم، لأنّهم هم من يتحمّلون المسؤوليّة الأساس عن سوء أخلاق أولادهم، إمّا عن جهل وقلّة ثقافة ومعرفة، وإمّا عن قلّة أخلاق وتربية مُتخلّفة في بيئتهم!.