يجب الاعتراف ان عدم ​تشكيل الحكومة​ القى بثقله على الوضع الداخلي للبلاد، وهو اثبت انه احد الوسائل الفاعلة لممارسة الضغوط على البلد دون القائه في اتون الانهيار الامني او المالي، ولعل ابرز الدلائل على نجاح المشاكل في لبنان هو سوء التفاهم والتوتر السائد بين الافرقاء السياسيين. ف​رئيس الجمهورية​ العماد ​ميشال عون​ الذي اتى بتسوية سياسية حظي بموافقة الجميع، وكان قريباً من مختلف الاطراف السياسية، وجد نفسه في مواجهة غير خطيرة ولا تصل الى حد القطيعة مع كل من ​حزب الله​ ورئيس الحكومة المكلف ​سعد الحريري​، وهو امر لم يكن يتوقعه سابقاً اكثر المتشائمين في رؤيته للعلاقة بين الرئيس والطرفين المذكورين.

على خط آخر، كان التوتر على اوجه داخل الطائفة الدرزية، واظهرت الازمة ايضاً مشكلة داخل الطائفة السنّية، ناهيك عن الازمة المسيحيّة التي تحضر دائماً في كل استحقاق، اضافة الى وقوف ​تيار المستقبل​ وحزب الله على طرفي نقيض في الموضوع السياسي.

وليس غريباً ان تحصل كل هذه التعقيدات السياسية بين الاحزاب والتيارات في الاستحقاق الحكومي، وهي كانت حصلت سابقاً في الاستحقاق النيابي، (ولو ان الرئيس كان على علاقة طيبة عندها مع الحريري والحزب دون اي توترات) وهو امر متوقع عند كل استحقاق، وظهر بوضوح انه ليس من المستحيل عودة المياه الى مجاريها فور انتهاء اسباب الازمة، للانطلاق بمرحلة جديدة بكل ما تحمله من اخفاقات ونجاحات.

انما، على خط مواز، يبدو ان الرئيس عون، وللمرة الاولى، يشعر بالقيود المفروضة عليه ان لجهة استقرار الوضع الداخلي او لجهة الاوضاع التي لا تبشّر بالخير والتي كان ينتقد دائماً ابقاء النظرة التشاؤمية حيالها، وها هو اليوم يتحدث ويحذّر من "كارثة" اذا ما بقيت الامور على حالها، وهو امر ليس بالسهل ان يصدر عن شخصيّة كانت حتى الامس القريب اكثر تفاؤلاً من غالبيّة السياسيين واللبنانيين، وتحثّ الجميع على اعتماد الايجابيّة. ولعل رئيس الجمهوريّة بدأ يشعر بقيود فُرضت عليه قسراً من اجل ان يحافظ على وحدة البلاد وسلامة الاستقرار الداخلي، ولا يقتصر الامر على طرف واحد بل على الجميع، حيث انه وجد نفسه اكثر المتضررين من المسألة، ولم يعتد على عدم الرد بقوّة عندما يستاء من أمر أو من شخص، ولكن وصوله الى ​قصر بعبدا​ حتّم عليه مراجعة مواقفه وقراراته بحيث لا "يكسر الجرّة" مع احد. ولكن السؤال هو الى متى يمكن لعون السكوت عن تآكل العهد؟ خصوصاً وانه وصل الى القصر بزخم الرئيس القوي، ولكن القيود التي تقيّده تحمل عناوين عدّة منها الميثاقية ومراعاة الجميع والمحافظة على التحالفات القديمة مع بناء علاقات جديدة يجب ان تدوم لمصلحة البلد. وعليه، يرى عون يوماً بعد يوم ان مولودته المنتظرة (اي الحكومة الجديدة التي يعتبرها حكومة العهد الاولى، وجسر عبور للبنان ليخطو خطواته الاولى نحو الخلاص الاقتصادي والمالي)، لا تزال قابعة في رحم الخلافات والتشعّبات الداخليّة والخارجيّة وهو غير قادر على انقاذها، رغم كل الجهود التي يقوم بها والتنازلات التي يقدمها، ويدفع ثمن خلافات الآخرين، لانه وللتذكير، لم يأخذ عون كغيره من الرؤساء، طرفاً منذ وصوله الى الرئاسة، مع أيّ فريق ضد آخر، او مع جهة سياسيّة ضد أخرى، لتقوم هذه الجهات بعرقلة عهده وجعله يدفع الثمن.

لا يملك عون الكثير من الامور ليقوم بها، ولكنه سيعمل كل ما في وسعه لـ"تحريك ساكن" ان عبر المبادرات او عبر الاتصالات او عبر التحذيرات والمواقف المتقدّمة التي يطلقها من حين الى آخر، الى أنْ تدقّ ساعة الحقيقة وتذلّل العقبات بين اللبنانيين بـ"سحر ساحر"، فتعود المياه الى مجاريها.