يحاول ​حزب الله​ في الآونة الأخيرة بالتزامن مع انكبابه على دعم مطالب حلفائه في طوائف ومذاهب أخرى في عملية تشكيل الحكومة سعيا وراء توسيع القاعدة السياسيّة الداعمة للمقاومة، وفرض سياسات معيّنة تضمن استثمار "الانتصار" الذي حققه المحور الذي ينتمي اليه في المنطقة، ايلاء اهتمام كبير للملفات الاجتماعية والاقتصادية خاصة بعد تفاقم النقمة الشعبية التي تجلت بوضوح عبر التحركات الأخيرة في الشارع تحت عناوين شتّى. وقد بدأ الحزب استدارته باتجاه الداخل اللبناني، (وان كان الملف الاقليمي لا يزال يستحوذ على الجزء الاكبر من اهتماماته)، قبيل ​الانتخابات النيابية​ التي جرت في ايار الماضي، لاستيعاب خروج أصوات كثيرة من بيئته الحاضنة تنتقد آداء وزراء ونواب الحزب والأوضاع المعيشيّة الصعبة التي ترزح تحتها هذه البيئة.

وتمكن الحزب الذي خرج أمينه العام بوقتها ليعلن ان الاولوية المطلقة للحزب في المرحلة المقبلة هي مكافحة الفساد، من امتصاص جزء كبير من هذه النقمة، وهو ما تجلى في نتائج الانتخابات التي صبّت لصالحه. وبعد مرور نحو 8 أشهر على الاستحقاق النيابي وتعثر ولادة الحكومة ما انعكس بشكل مباشر على الملفّات الحياتيّة للبنانيين، عاد الحزب بمحاولة لاحتواء الغضب الشعبي المتصاعد. ففيما صوّر البعض التظاهرة الحاشدة التي شهدها ​وسط بيروت​ نهاية الشهر الماضي على انها انتفاضة بوجه كل الاحزاب ومن بينهم "حزب الله"، أكد آخرون أن الحزب وحركة "أمل" كانا يؤمّنان التغطية للتظاهرة وهو ما أدى لارتفاع عدد المشاركين فيها، في ما بدا انها رسالة أرادا توجيهها لرئيسي الجمهوريّة العماد ​ميشال عون​ والحكومة المكلّف ​سعد الحريري​.

وفي سياق الخطوات الجديدة التي يلجأ اليها حزب الله في سياسته الحديثة المرتبطة بالملفات الاقتصادية والاجتماعية، لفت الاعلان عن زيارة قام بها وفد من حزب الله مؤخرا الى منطقة تعمير ​"عين الحلوة"​، وهي منطقة يسكن فيها لبنانيون ولاجئون فلسطينيون، لـ"الاطلاع على أحوال المواطنين ومشاكلهم وزيارة عدد من المرضى داخل منازلهم". وخلال الزيارة قام رئيس الوفد مسؤول منطقة صيدا في الحزب ​الشيخ زيد ضاهر​ بالتوسط لدى مدير عام ورئيس مجلس إدارة ​مؤسسة مياه لبنان الجنوبي​ لاعادة المياه الى منطقة البركسات، وقد تمت الاستجابة سريعا لطلبه.

وتضع مصادر في ​قوى 8 آذار​ مقربة من "حزب الله" كل خطواته في هذا المجال باطار سياسته المستجدّة التي خاض على اساسها الانتخابات الماضية تحت شعار "محاربة الفساد" بعدما كان الشعار المعتمد طوال السنوات السابقة "حماية المقاومة، لافتة الى انه "بات على يقين انه يمتلك من القوة ما يلزم لحماية سلاحه، لذلك انتقل لمعالجة شؤون الناس". وتضيف المصادر: "لكن وبخلاف ما قد يعتقد البعض، فان محاربة الفساد لا تعني الاقتصاص من الفاسدين واقتيادهم الى محاكم التفتيش ومجالس التأديب، انما انشاء نظام عدالة اجتماعية يعيد الحقوق لأصحابها".

ولا يخفي الكاتب والمحلل السياسي، المتخصص في شؤون «حزب الله»، ​قاسم قصير​ أن الحزب يسعى للعب دور أكثر فعاليّة في الداخل اللبناني وبوجود توجه جدي لديه للاهتمام بالملفّات الداخلية، خاصة وأن الفرصة اليوم باتت متاحة بالنسبة له مع الاستراحة المستمرة التي يستفيد منها في سوريا. ويشير قصير الى أن الملف الفلسطيني لطالما كان جزءا من اهتمامات الحزب، وهو يتابعه بكل تفاصيله وقد نجح بنسج علاقات جيّدة مع معظم الفصائل، وقد تجلى ذلك في الدور الذي لعبه لحلّ أزمة مخيم "الميّة وميّة"، موضحا أن التحرك في "عين الحلوة" مؤخّرا يصب في هذا الاطار. وهو ما تحدّثت عنه مصادر فلسطينيّة لافتة الى ان "بعض الجمعيات واللجان الشعبية طرقت أبواب الحزب ليحل أزمة المياه والكهرباء المتفاقمة في المخيّم، لأنها تعلم تماما حجم نفوذه".

من جهته، يضع ​علي الأمين​ المعارض الشيعي البارز لحزب الله "كل الخطوات التي قام ويقوم بها الحزب لتقوية دويلته في اطار سعيه لاضعاف الدولة"، مشيرا الى انه "يقوم بالشيء ونقيضه، باعتبار انه لو كان يريد فعلا محاربة الفساد وبناء الدولة لأعاد أولا تحديد أولوياته التي لا تزال اقليميّة بشكل كامل". ويضيف الأمين: "حزب الله يتعاطى مع الدولة اللبنانية كمورد اضافي الى الموارد الماليّة الأخرى التي يعتمد عليها، ما ينسجم مع مفهوم المحاصصة المسيطر حاليا في حكم البلد".