بعدَما انْقطع حَبْل التَّجاذُبات، داخِليًّا وعَرَبيًّا، في كُلِّ ما لَهُ عَلاقة بانْعِقاد القِمَّة العَرَبيَّة التَّنْمويَّة في بَيْروت، وعادَ كُلُّ فريقٍ في الدَّاخل إِلى عَرِينه، وكلُّ مُشاركٍ في القِمَّة إِلى بَلَدِه، كما وعادَ الشَّيْخ تَميم "جابِر عَثَرات الكِرام"،والَّذي أَثْبت في حُضُوره الخاطِف مِن قَطَر، أَلاَّ قَطيعَة عربيَّةً لِقِمَّة ​بيروت​.

ويَبدو أَنَّ الاتِّجاه لَدى رَئيس القمَّة العربيَّة ورَئيس الجمهوريَّة اللُّبنانيَّة العماد ​ميشال عون​، إِلى مُعالجَة تَداعيات المَواقِف الدَّاخليَّة التَّصْعيديَّة الَّتي سَبَقَتْ انْعِقادها، وصُولاً إِلى التَّلْويح بـ6 شباط، انْطِلاقًا مِن مزايا الرَّئيس عون الوطَنيَّة، وحسَه الوَطَنيّ وحِكْمَته.

وما يُؤشِّر إِلى ذَلِك إِعلان وزير الخارجيَّة والمُغْتربين في ​حكومة​ ​تصريف الأعمال​ جُبران باسيل، خِلال المُؤْتمر الصِّحافيِّ المُشْترك مَع الأَمين العامِّ لِجامِعَة الدُّوَل العَرَبيَّة أَحْمد أَبو الغَيْط أنَّ: "على القِيادة اللِّيبيَّة مَسْؤوليَّة، ولو لم تَكُنهينفسها في وقتِ إِختفاء الإِمام السَّيِّد موسى الصَّدر. والمَسْؤوليَّة هي للقِيام بِكلّ ِواجباتِها لِجَلاء الحَقيقة، وكشف مَصيره، لأَنَّه لَيْس إِمام المُسْلِمين الشِّيعَة في لُبْنان، وإِنَّما هو إِمام كُلّ ِاللُّبنانيِّين وكلِّ العَرَب"، مع تَسْجيل أَنَّ إِحْراق عَلَم الدَّوْلة اللِّيبيَّة، عَشِيَّة وصُول وفدِها الَّذي كانَت مُقرَّرةً مُشاركتُهُ في قِمَّةِ بيْروت، هو إِساءَةٌإِلى الإِمام المُغيَّب في الدَّرَجة الأُوْلى.غَيْر أَنَّ اتِّجاه الرَّئيس عون، هو إِلى العمل–وانْطِلاقًا مِن مَوْقعه الجَديد،كرئيسٍ للقِمَّة العربيَّة، على تَرْميم العَلاقة مع ​ليبيا​.

كما وأَنَّ التَّهْدِئة داخليًّا،والتَّعالي على "الحَرْتَقات" الهادِفَة إِلى التَّصْويب على عَهْد الرَّئيس عون، سيُتيحان له مُتابَعة المُهِمَّة الجَديدة المُوكَلَة إِلَيْه، والَّتي عَبَّر عَنْها بِنَفْسه في كلمَتِه أَمام رُؤَساء الوفود المُشارِكين في القِمَّة، بعدما دَعا إِلى "إِنشاء مَصْرِف ٍعَرَبيّ ٍللإِعْمار ولاعْتِماد استراتيجيَّةٍ لإِعادة الإِعمار"، بِهَدَفِ التَّنْمية ووَضْع آليَّاتٍ، ومِنْها إِنْشاء المَصرِف العَرَبيّ، ودَعْوة الصَّناديق المَعْنيَّة إِلى الاجْتِماع في بَيْروت خِلال ثَلاثة أَشهر، للبَحْث في هذه المَواضيع"...

كما وسَيَسْهر الرَّئيس عون، على إِنْشاء صُنْدوقِ التَّمْويل، للمضيِّ قُدُمًا في تَفْعيل مُقرَّرات القِمَّة العَرَبيَّة، كَيْلا تَبْقى قَراراتٍ نَقَّالةً مِن قِمَّةٍ إِلى أُخْرى... وبِذَلك تُؤَمَّن الأَرْصِدة للأَهداف التَّنْمَويَّة الوارِدَة في بُنود القِمَّة.

كما وأَنَّ الرَّئيس عون، سَيُعْطي أَيْضًا الوَقْت الكافي، للعَمل على عَوْدة ​سوريا​ إِلى الحِضْن العَرَبيِّ، وسَتَشْتغل مُحَرِّكاته قريبًا في هَذا الاتِّجاه ...

نَقُول كلَّ هذا، مِن دون الانْتِقاص من أَهميَّة باقي المَواضيع الوارِدَة في مُقرَّرات القِمَّة، إِنْ لِناحية تلك المُتَعلِّقة بالمرأَة والطِّفل والفَقْر والبَطالَة والمُجْتَمع المَدَنيّ والاقْتِصاد الرَّقميّ والمُؤسَّسات الصَّغيرة والمُتوسِّطة...وهُنا لا بدَّ من تَسْجيل مُلاحظة،وهي مُشْتركة بين كلِّ القِمم التَّنْمَويَّة والاجْتماعيَّة العربيَّة، عن "تَسلُّل" السِّياسة الصَّرْف، إِلى كَلِمات الوفود المشارِكَة في القمَّة، وضمْنًا قمَّة بيروت، إِذْ أحْصِيَت لأَحَد المُتَكلِّمين في خطابٍ من 1500 كلمة،300 كَلِمة تقريبًا تَحْت سقف القِمَّة، أَيْ ما نِسْبته 20 في المِئَة فقط من الخطاب، فيما تَبْقى نسبة 80 في المِئَة من خارج الموضوع. فصَحيح أَنَّ تَداعيّات السِّياسَة تُؤَثِّر سَلْبًا في الاقْتِصاد والتَّنْمية، مِثْل قُنْبُلة اللاجِئين المَوْقوتَة وغيرِها من المَواضيع المُثارَة، ولَكِن ثَمَّة مواقف أُثِيرَت في الكَلِمات من خارج الهَمَّيْن الاقْتِصاديّ والتَّنْمَويّ!.

غَيْر أَنَّ السُّؤال البَديهيَّ يَكْمُن في المَكْسب الَّذي حقَّقه ​لبنان​ المُتهالِك اقتِصاديًّا بِسَبب النُّزوح السُّوريِّ، وسِياسيًّا بِسبب عَدَم التَّمكُّن بعْد، من تَشْكيل الحُكومَة الجَديدة، في اسْتِضافَة القِمَّة على أَرْضه؟.

عَدا مُبادَرَة دولة الكُويت غَيْر المُفاجِئة بالنَّظر إِلى عطاءاتها ومبادراتها التَّنْمويَّة الجامِعة للعالَم العربيِّ، وقد تَجلَّت في إِنْشاء صُنْدوق للتِّكنولوجيا و​الاقتصاد​ الرَّقميِّ بِمَبْلغ 200 مليون ​دولار​، وعدا المُبادَرة القَطريَّة المَشْكورَة أيْضًا، مِن خِلال المُساهَمَة في 50 مليون دولار يُؤَمِّن ُنِصْف تمويل الصُّندوق العربيِّ، إِلاَّ أَنَّ لبنان، قد حقَّق أَيْضًا، إِنْجازًا في قضيَّةٍ إِنسانيَّةٍ شائِكة ومُزْعِجَة في الاتِّجاهَيْن: الدَّوْلة اللُّبْنانيَّة المُضيفَة كما النازحين. وفي هذا الإِطار يَرى الوزير باسيل، أَنَّ البَيان الَّذي صَدَر في هذا الشَّأْن، "هو بيان ٌمُهمٌّ جِدًّا، أَمَّن المَصْلَحة اللُّبْنانيّة ومَصْلحة كلِّ دَوْلةٍ عَربيَّةٍ مُضيفَةٍ، بِتَوافُق كلِّ الدُّول المُشارِكة".

فَمَوْضوع النازحين يبقى حَتَّى السَّاعة، الهدفَ اللُّبنانيَّ الأَساس، الَّذي لا يُمْكِن الرُّجوع عَنْه!.