منذ إنتهاء الإنتخابات النيابيّة الأخيرة، قرّر رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ الشروع بورشة إصلاحية على مستوى تيار "المستقبل"، بدأت من خلال حملة واسعة من الإقالات التي لحقت بالعديد من المسؤولين في التيار، لكن السؤال الأساس الذي كان يطرح حول هويّة الشخصيّات التي ستدخل إلى مجلس الوزراء في حكومة العهد الأولى، خصوصاً بعد أن قرر إعتماد مبدأ الفصل بين النيابة والوزارة.

في الحكومات الأخيرة، اعتمد رئيس الحكومة على من يُصنّفون في خانة "الصقور" في تياره السياسي، لا سيما في حكومة تمّام سلام والحكومة السابقة، ففي الأولى اعتمد على كل من اللواء المتقاعد ​أشرف ريفي​ و​نهاد المشنوق​، أما في الثانية فاعتمد، بالإضافة إلى المشنوق، على ​جمال الجراح​ و​معين المرعبي​، بالإضافة إلى ​محمد كبارة​، من دون تجاهل كل من ​جان أوغاسابيان​ و​غطاس خوري​، لكن اليوم لا يوجد في الحكومة شخصيّات تُصنف ضمن هذه الخانة.

في هذا السياق، تشير مصادر سياسيّة مطلعة، عبر "النشرة"، إلى أنّ الحريري سعى من خلال الوزراء، في الحكومة السابقة، إلى الإستفادة أقصى قدر ممكن منهم قبل موعد الإنتخابات النيابيّة المقبلة، لذلك جرى إختيارهم من دوائر إنتخابيّة مختلفة على أمل أن ينجحوا في تحقيق المهمة المطلوبة منهم، إلا أنها تلفت إلى أنّ بعضهم لم ينجح في تحقيق أيّ تقدم، بدليل النتائج التي حققتها اللوائح المنافسة لـ"المستقبل".

أما اليوم، ترى المصادر نفسها أن الحريري عمد إلى إختيار وزراء هم أقرب إلى التكنوقراط من السياسة، مثل وزيرة الداخلية والبلديات ​ريا الحسن​ أو وزير الإتصالات ​محمد شقير​، بينما إنتقال الجراح إلى وزارة الإعلام يعود بالدرجة الأولى إلى التوافق على اسم ​حسن مراد​، ليكون ممثلاً عن "​اللقاء التشاوري​"، وزير دولة لشؤون التجارة الخارجية، نظراً إلى حاجته لمواجهة القوّة الخدماتية التي يمتلكها رئيس حزب "الإتحاد" النائب ​عبد الرحيم مراد​ في البقاع الغربي.

على صعيد متّصل، تشير هذه المصادر إلى تراجح حضور "المستقبل" الوزاري، من 6 وزراء إلى 3 وزراء بالإضافة إلى رئاسة الحكومة، نتيجة التوازنات التي فرضتها الإنتخابات النيابيّة الأخيرة، والتي أجبرته على التخلّي عن وزيرين لصالح كل من رئيس الحكومة السابق ​نجيب ميقاتي​ والوزير السابق ​محمد الصفدي​، في حين نجحت الضغوط في حصول النواب السنّة المستقلين على ممثلٍ لهم رغماً عنه، حتى ولو كان من حصة رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​.

وتؤكّد المصادر السياسيّة المطّلعة أنّ هذا الواقع سيكون طاغياً على أوضاع التيّار الداخليّة في المرحلة المقبلة، لا سيّما أن هناك حالة من الإمتعاض التي خرجت إلى العلن، أبرزها من القيادي في "المستقبل" النائب السابق ​مصطفى علوش​، الذي كان قد وُعد بالوزارة بعد الطلب منه عدم الترشح إلى الإنتخابات النيابيّة، بالإضافة إلى الجرّاح الذي كان يطمح للحصول على حقيبة الداخليّة والبلديّات، من دون تجاهل موقف المشنوق، الذي اعتبر نفسه مستهدفاً من مبدأ فصل النيّابة عن الوزارة.

من وجهة نظر هذه المصادر، هناك الكثير من الأسباب التي دفعت الحريري إلى هذا الخيار، لكنها تؤكد أن أبرزها سببين: الأول يتعلق برغبته بإبعاد الطامحين إلى توسيع دائرة نفوذهم السياسي أو الراغبين بالوصول إلى السراي الحكومي عن الأضواء، لا سيّما بعد أن لمس، في الفترة السابقة، أن هؤلاء يريدون منافسته على الزعامة، أما الثاني فيتعلّق بطبيعة المرحلة المقبلة، حيث التركيز على الملفات الماليّة والإقتصاديّة، وبالتالي هو يحتاج إلى وزراء خبراء في هذا المجال، مثل شقير والحسن.

في المحصّلة، قرّر الحريري، في حكومته الثالثة، أن يبعد "الصقور" عنها، في إشارة منه إلى تحول على مستوى قراءة الظروف السياسيّة في البلاد، لكن هل لهذا الخيار علاقة بالتحولات على مستوى المنطقة، لا سيما على صعيد الساحة السوريّة، خصوصاً أنّ رئيس الحكومة وقف ضدّ موقف وزير الدولة السابق لشؤون النازحين معين المرعبي خلال إنعقاد القمّة العربيّة التنمويّة الإقتصاديّة الإجتماعيّة في بيروت؟.