من المُقرّر أن تستضيف تونس الشهر المقبل ​الدورة​ العاديّة الثلاثين لمجلس جامعة الدول العربيّة على مُستوى القمّة(1). والسؤال الذي يفرض نفسه: هل ستتمّ دعوة ​سوريا​ إلى الحُضور، لتسقط تلقائيًا المُقاطعة العربيّة لنظام الرئيس السُوري بشّار الأسد، في ظلّ وُجود تحرّكات عربيّة ودوليّة في هذا الإتجاه؟.

بداية لا بُد من التذكير أنّ مجلس الجامعة العربيّة كان علّق عُضويّة سوريا في تشرين الثاني من العام 2011، أي بُعيد فترة قصيرة من إندلاع الحرب السُورية، وذلك إعتراضًا على أسلوب تعامل النظام السُوري مع حركة الإعتراض الشعبي التي قامت في سوريا في تلك المرحلة، قبل أن تتحوّل إلى حرب وتتشعّب إلى سلسلة حروب لأكثر من دولة وفريق على الأرض السُوريّة. ومنذ فترة، يُحاول أكثر من فريق عربي ودَولي إعادة سوريا إلى الجامعة العربيّة، ومن بين الجهات العربيّة التي تعمل على هذا الموضوع، دولة ​الإمارات​ العربيّة المُتحدة، وسلُطنة عُمان، وبدرجة أقل مصر والسودان في ظلّ عدم مُمانعة ​الكويت​. والمُفارقة أنّ الدبلوماسيّة ال​لبنان​يّة الرسميّة مُمثّلة بوزير الخارجية والمُغتربين ​جبران باسيل​ باتت تُصنّف عربيًا في خانة الجهّات التي تعمل وتضغط لعودة سوريا إلى الجامعة العربيّة، علمًا أنّ رئيس السُلطة التنفيذيّة، أي رئيس الحُكومة ​سعد الحريري​، يرفض من جهته الخروج عن التوافق العربيّ في هذه المسألة، بحيث يعتبر أنّ قرار إعادة سوريا إلى الجامعة العربيّة يعود إلى هذه الجامعة وحدها، وليس إلى أي طرف آخر.

وليس بسرّ أنّ لكل جهة من الجهات المُؤيّدة لرفع المُقاطعة عن سوريا أسبابها الخاصة، حيث ينطلق الوزير باسيل مثلاً من ضرورة إستعادة سوريا موقعها العربي الطبيعي، كون هذا الأمر سيعود ب​الفائدة​ على لبنان في مسألتين أساسيّتين، الأولى مسألة عودة النازحين السُوريّين في لبنان إلى بلادهم، والثانية مسألة مُشاركة لبنان بإعادة إعمار سوريا، إضافة إلى أنّ من شأن هذا القرار أن يُرخي بأجواء من الإستقرار في المنطقة عُمومًا ولبنان خُصوصًا. بالنسبة إلى دولة الإمارات مثلاً، إنّ من شأن إعادة سوريا إلى حُضن الجامعة العربيّة وقف إنزلاقها أكثر فأكثر في الحضن ال​إيران​ي، بشكل يُضرّ بالمصالح الإقليميّة العربيّة، وكذلك وقف تزايد النُفوذ التركي في الداخل السوري على حساب النُفوذ العربي.

من هنا، رأى أكثر من مُحلّل مُتابع لشؤون ​الشرق الأوسط​، أنّ توقيت زيارة الرئيس السوري بشّار الأسد العلنيّة إلى ​طهران​، حيث إلتقى عددًا من القيادات الإيرانيّة، لافت للنظر، وأنّ مضمون الزيارة مُثير للإستغراب، كونه يأتي عشيّة البحث في مسألة دعوة سوريا إلى قمّة تونس العربيّة. وأضاف هؤلاء أنّ الأسد منح مُعارضي عودته حجّة على طبق من فُضّة برفض رفع المُقاطعة عن سوريا في المرحلة الحاليّة، من خلال تثبيت تحالفه مع إيران، وإظهار نوع من اللامُبالاة لجُهود بعض الدول العربيّة لإعادة بلاده إلى مجلس الجامعة العربيّة. إشارة إلى أنّ فرص دعوة سوريا إلى قمّة تونس في آذار المقبل، كانت تبلغ بالأمس القريب نحو 50 %، ولم يُعرف ما إذا كانت زيارة الأسد لطهران سترفع هذه النسبة بحجّة ضرورة إستعادة سوريا من الحُضن الإيراني الساعي للتوسّع في الدول العربيّة، أم أنّها ستُخفّض هذه النسبة بحجّة أنّ الوقت بات متأخّرًا جدًا للإستعادة، حيث أنّ ولاء نظامها الحالي واضح المُيول السياسيّة إزاء المحور الإيراني، وهو خيار لا يخجل به بعد أن كان السبب في بقائه أصلاً!.

في كل الأحوال، لا شكّ أنّ لُبنان لا يزال يدفع ثمن الخلافات العربيّة–العربيّة، وثمن الصراع العربي–الإيراني. وبالتالي، كُلّما كانت فرص التوصّل إلى تفاهمات وتسويات بين الدول الإقليميّة المُختلفة عالية، كلّما كانت فرص إستفادة لبنان إيجابًا أعلى، والعكس صحيح أيضًا. فهل ستفتح القمّة العربيّة في تونس صفحة جديدة بين جامعة الدول العربيّة وسوريا، أم أنّ الوضع سيبقى بحكم المؤجّل في إنتظار التسوية الشاملة التي طال إنتظارها كثيرًا؟.

(1) الدورة السابقة عُقدت في مدينة الظهران برئاسة المملكة العربيّة السُعودية، وجرى التوافق على عقد الدورة الثلاثين في تونس بعد إعتذار ​البحرين​ عن إستضافة هذه القمّة.