سجالات، تنظير، مشاحنات، مشاكسات...

هذه هي حال العمل السياسي في لبنان، وهذا هو واقع الأداء في السلطة التنفيذية حتى إشعار آخر.

يتحدثون عن ازدحام السير، فيأتيهم الجواب: عند انتهاء ​جسر جل الديب​ "ستخف عجقة السير"، يُنجَز جسر جل الديب، يوضَع في الخدمة، فتبقى العجقة على حالها، ليكتشف الجميع ان جسر جل الديب لا يحل سوى مشكلة بسيطة جدًا، وما لم تتم معالجة المحلات التجارية "الضخمة" التي " أكلت" من الاوتوستراد ومن ​الطريق البحرية​ ، فلا حل لمَن تنادي. ولكن من الآن نستطيع ان نقول: لا حل للمتاجر الضخمة لأن أصحابها مدعومون، ومَن لا يصدِّق ليقُم بجولة في المنطقة ليكتشف ان "قبضايات الفاليه" يستطيعون إقفال السير لأن هناك متزعِّماً سيمر أو ان هناك زوجة متزعِّم ستزور المتجر.

يتأفف المواطن، لكن السجالات والتنظير والمشاحنات والمشاكسات مستمرة وقائمة.

***

شتوة أواخر آذار والأوائل من نيسان، أظهرت وكأننا في "كوانين"، لكننا وُعدنا ببنى تحتية تقاوم اعاصير الطبيعة، لنكتشف ان البنى التحتية صُرِفَت عليها عشرات مليارات الدولارات، لكن لا حياة لمَن تنادي.

دلُّونا على طريق واحدة أو نفق واحد أو رصيف واحد أو جسر واحد، فيه مواصفات السلامة العامة... ما إنْ أمطرت حتى انقطع اوتوستراد شكا شمالًا، وأوتوستراد صيدا جنوبًا، و​طريق ترشيش​ جبلًا وبقاعًا، فعن أي بنى تحتية تتحدثون؟

ومع ذلك، السجالات والمناكفات والتنظيرات والمشاكسات مستمرة.

***

نحن في لبنان "ملوك المصطلحات"، نخترع منها كل يوم ما لا تخترعه المجامع اللغوية في سنة:

هناك ​الطاقة الشمسية​، و​الطاقة النظيفة​، و​الطاقة المتجددة​، والطاقة الذكية، والآن ابتكرنا "الطاقة الموقتة"، فما هي هذه المولودة الجديدة: إنها الباخرة الرابضة في أحد موانئ تركيا حيث تنتظر ان تنضم إلى رفيقتيها في لبنان.

وما ادراكم ما "الطاقة الموقتة"؟

إنها "الطاقة الدائمة" ولكن بمسميات مختلفة!

الموقت في لبنان دائم. ألم تقرأوا المادة 95 من الدستور؟ هذه المادة كانت استُهلت بعبارة "بصورة موقتة" فدامت من العام 1943 إلى العام 1990، اي خمسين عامًا. هكذا "الموقت" في لبنان "يدوم" خمسين عامًا، فهل "الطاقة الموقتة" ستستمر إلى ذلك التاريخ؟ أي الى العام 2069؟

قد يرى البعض مبالغة في هذا التاريخ ، لكن التجارب علمتنا في لبنان ان لا نستخف بشيء ولا بأي تاريخ.

ألم توضَع خطط معالجة ​الكهرباء​ في العام 1992 أيام المرحوم الوزير جورج افرام في العام 1992؟ نحن اليوم في العام 2019، وبدلًا من أن نرى المعامل، لا نرى سوى باخرتين، وعشرات آلاف المولِّدات والثالثة على الطريق.

ويبدو ان خيار الباخرة الثالثة سيتقدَّم على الخيار الآخر المتمثل بوضع مولِّدات عملاقة من إحدى الشركات الالمانية "سيمنز"... هنا سيقع الكباش بين خيار المولِّدات العملاقة وخيار الباخرة الثالثة، فلمَن تكون الغلبة؟

***

لم يعد خافيًا على أحد ان الباخرة الثالثة لها تكلفتها، ومن باب تبسيط الأمور إيهام الرأي العام ان لا "إستفادات دسمة" تُدفَع، فكيف سيتم تمرير هذا الأمر في ​مجلس الوزراء​؟

الأمر في غاية البساطة، سيُقال: إن الوقت داهم ولا إمكانية لبناء المعامل في هذه العجالة، كما ان لا تمويل كافيًا في الوقت الراهن.

إذًا مبروك الباخرة الثالثة، ليس للناس بل لجيوب أهل المحكوم علينا بهم.

***

البواخر حل على المدى القصير لكنها مشكلة على المدى الطويل، على عكس المعامل، للأسباب التالية:

البواخر تغادر عند انتهاء العقد، فيما المعامل دائمة.

البواخر كلفتها أعلى من كلفة المعامل على الأرض، لأنها مملوكة من شركات، أي أنها قطاع خاص، فلماذا تشتري الدولة اللبنانية الكهرباء من القطاع الخاص التركي ولا تسمح للقطاع الخاص اللبناني ببناء معامل وبيع الكهرباء من ضمن مناقصات عالمية شفافة؟

ما دفعته الحكومات اللبنانية المتعاقبة، كلفة بواخر، كان من شأنه ان يبني معامل بعدد البواخر المستأجرة، وللتذكير، فإن البواخر موجودة في لبنان منذ العام 2013، أي منذ ستة أعوام، ولو كانت القرارات جدية لكان بالإمكان بناء ثلاثة معامل في ست سنوات.

أشهد اني كتبت، ولكن ما من مسؤول سيجاوب!