يوم الأحد الماضي أجرت "صدى الوطن" حديثاً مع السفير اللبناني لدى واشنطن غابي عيسى للإستفسار عما تناقلته وسائل الإعلام اللبنانية عن صحيفة "ذا ناشيونال " الإماراتية التي نشرت تقريرا يفصح عن اعتزام إدارة الرئيس ترامب فرض عقوبات اقتصادية على الرئيس نبيه بري وعلى حركة امل .

وقد تناقلت وسائل الإعلام اللبنانية تصريحات السفير عيسى ل"صدى الوطن" التي دحض فيها الشائعات وأعاد التوازن إلى الساحة الإعلامية بعد الهلع والذعر الذي بثته صحيفة "ذا ناشيونال" في نفوس اللبنانيين ، في لبنان وفي بلدان الإغتراب عامة، والولايات المتحدة بشكل خاص.

لكنّ نهار الإثنين الماضي ، وقبل أن تبدأ الوفود اللبنانية القادمة إلى العاصمة الأميركية واشنطن بتحركاتها ، بدا وكأن هناك لعبة تقوم بها جهة ما ، خلال المؤتمر الذي عقده وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو،٠ وأعلن فيه عن إدراج الحرس الثوري الإيراني على لائحة الإرهاب الأميركية. فقد سأل احد الصحفيين من قناة الحرّة بومبيو سؤلاً بدا مركباً وموجها ليخدم الحملة التي بدأت مع صحيفة "ذا ناشيونال" ، عن العقوبات المزمعة على الرئيس بري ، وكان رد بومبيو بالإيجاب وحمل نوعاً من التهديد المبطن لرئيس مجلس النواب اللبناني ، فيما بدا وكأنه رد على ما دار في الإجتماع الذي عُقد بين الرجلين في "عين التينة " خلال زيارة بومبيو للبنان .

وهو ما أثار الشبهات والشكوك حول تورط الأخير في حبك الحملة الإعلامية لإيصال رسائل باتجاهات متعددة لحلفاء حزب الله وعلى رأسهم الرئيس بري ،خاصة اذا ما أخذنا بعين الإعتبار، الأخبار التي تحدثت عن تورط بعض اللبنانيين في واشنطن بهذه اللعبة ممن يفهمون جيدا الواقع اللبناني وملابساته وتشعباته، ويعرفون ما معنى أن يتم فرض عقوبات اقتصادية على الرئيس بري وعلى حركة امل وما يمكن لهذه الخطوة المتهورة أن تحدثه من ضرر متبادل بين لبنان والولايات المتحدة في حال تطبيقها .

وفي معلومات خاصة ل "صدى الوطن" تبين أنّ وليد فارس الذي يحمل الجنسية اللبنانية ويقيم في الولايات المتحدة بشكل دائم،قام خلال زيارته إلى الإمارات العربية المتحدة، منذ بضعة أيام، بترتيب نشر المقالة التي تتحدث عن العقوبات على الرئيس بري في صحيفة "ذا ناشيونال " ، فليس مصادفة ان تبدأ الحملة من صحيفة إماراتية تزامناً مع وجود وليد فارس في الإمارات ، -وهو الذي لا يغيب طيفه عن كل المحطات والصحف الخليجية التي تربطه بها علاقات فوق العادة- ومن ثم تُستتبع بسؤال مركب وموجه لوزير الخارجية بومبيو من قبل أحد المقربين منه لتصل الحملة الممنهجة الى مبتغاها مع وصول الوفود اللبنانية إلى واشنطن .

فارس ، الذي لا يترك شاردة أو واردة إلا ويتحدث عنها، ويقدم نفسه كخبير في شؤون الشرق الأوسط وشؤون الإرهاب، لم يتطرق للموضوع في تجاهل بدا مقصوداً وصمتاً كاد أن يصرخ ويقول "خذوني" .

ومن يعرف الرجل وتاريخه، يعرف ألاعيبه وطريقة تفكيره ، فهو يلجأ دوماً لاتخاذ الصحافة مطية للوصول إلى أهدافه ومبتغاه . فمنذ فترة سرّب للصحافة اللبنانية أخباراً ملفقة عن قرب تعيين سفير أميركي جديد من أصل لبناني خلفاً للسفيرة الحالية إليزابيت ريتشارد، وللمصادفة أنّ "السفير المفترض" صديقه، وكانا قد عملا سوياً في حملة الرئيس ترامب الإنتخابية، وكانت الجهة اللبنانية التي نقلت الخبر على علاقة وثيقة به .

وليس خافياً على احد من المتابعين للشأن الأميركي، الجهد المضني الذي يبذله وليد فارس كي يدخل المجال الحيوي والفعلي لإدارة ترامب بعد الخدمات التي قدمها له في الحملة الإنتخابية الرئاسية عام 2016، ولكنه دائماً يصطدم بتاريخه الذي يمنعه من تبوّء أي مركز رسمي لموانع قانونية تتعلق بسجله في الحرب الأهلية اللبنانية ، وهو الأمر الذي دفعه لتغيير سيرته على موقع "وكيبيديا" وإنشاء سيرة ذاتية خالية من كل الشوائب والإرتكابات مع تجاهل متعمد لسيرته قبل أن يغادر لبنان إلى إسرائيل التي مكث فيها فترة قبل ان يتوجه إلى الولايات المتحدة الأميركية .

ولتتضح الصورة أكثر لدى القراء أعيد نشر بعض ما كنا كتبناه في فترات سابقة عن وليد فارس استناداً إلى الصحافة الأميركية والغربية التي بددت آماله وقطعت عليه الطريق للوصول إلى أي منصب رسمي في الإدارة الاميركية.

في شهر آذار (مارس) من العام الحالي 2017، عنونت صحيفة «الواشنطن بوست»: «الماضي الأسود والمثير للجدل» لمستشار حملة ترامب الانتخابية لشؤون مكافحة الإرهاب، وليد فارس . واستندت الصحيفة إلى تحقيق استقصائي أجراه الصحافي آدم سيروير الكاتب في مجلة «ماذر جونز» عام 2011.

ويذكر سيروير بأن فارس، خلال مرحلة الثمانينات من القرن الماضي، قام بدور المُنظر الأيديولوجي لعناصر الميليشيا التي انتمى إليها عبر ترويج وتعليم نظريات عقائدية تبرر الحرب ضد المسلمين والدروز، وذلك بحسب زميل سابق لفارس. وأشارت «واشنطن بوست» إلى أن فارس كان من المنظرين لإقامة وطن مسيحي مستقل.. وتصل الصحيفة إلى حد تحميل فارس مسؤولية معنوية في ارتكاب مجزرة صبرا وشاتيلا التي ذهب ضحيتها" المئات "(الألاف) من اللبنانيين و الفلسطينيين نظراً لدوره في تحفيز العناصر الميليشياوية على القتل.

في كتابها «ألقيت السلاح»، تروي «القواتية» السابقة ريجينا صنيفر، تجربتها خلال الحرب الأهلية وهي لم يناهز آنذاك عمرها العشرين عاماً، لتخلص في كتابها إلى نبذ الحرب والعنف وتقول إنها تعرضت للتضليل على يد وليد فارس الذي برر «قتالنا ضد المسلمين تحت ذريعة إقامة الوطن المسيحي الخاص المستقل والمنفصل».

وفي دراسة قدمها لمركز آرييل حاول فارس إقناع الإسرائيليين بإقامة «دويلة مسيحية» مستقلة في الشريط الحدودي المحتل جنوب لبنان قبل الإنسحاب الإسرائيلي، تكون عاصمتها مرجعيون ومنفذها البحري مرفأ الناقورة وامتدادها وعمقها يكون في إسرائيل.

كما يُروى عن فارس إعجابه بفكرة أن تستخدم إسرائيل سلاحها النووي للتصدي للخطر القادم من الشمال- أي جنوب لبنان- ولكنه عاد واستطرد بأن ذلك مجرد إحتمال حسب صحيفة «جيروزاليم بوست».

صحيفة «الغارديان» وصفت وليد فارس بأنه من المروجين للإسلاموفوبيا في الولايات المتحدة وبأنه يتربع على مجلس إدارة أكبر منظمة معادية للمسلمين في الولايات المتحدة Act for America وكان عضواً سابقاً في منظمة The Clarion Project وهي منظمة تروج للدعاية المعادية للمسلمين وتوضح «حقيقتهم» حسب مفهومها العنصري .كذلك أشارت «الغارديان» إلى أن فارس «محرر مساهم» في المدونة الإلكترونية العدائية تجاه المسلمين Family Security Matters.

وفي مسعى لتلميع صورته في الإعلام الأميركي أنبرى أصدقاء فارس للدفاع عنه، فكتب الضابط السابق في الجيش الإسرائيلي يائير رافيد مقالاً مطولاً في «جيروزاليم بوست» أثنى فيه على «الحسّ الوطني» لدى فارس وعلى حبه الكبير لوطنه الأول لبنان. كما كتبت سارة ستيرن المفكرة الإسرائيلية الولاء (كما يرد في شرح على هامش المقال) في صحيفة «إسرائيل هايوم» مقالاً آخر ترويجياً عن فارس وعن سيرته الغنية مُذ كان في صفوف الميليشيات اللبنانية. ولم تنس الكاتبة أيضاً أن تثني على حب فارس لوطنه لبنان، وسعيه الدؤوب لإخراجه من محنة احترابه الأهلي.

هذه كانت عيّنة مما كتبته الصحافة الاميركية عن فارس الذي خرج صفر اليدين من جنّة إدارة الرئيس ترامب ، لكنه لم يفقد الأمل ، وبقي يقدم النصائح والتحليلات المجانية والنظريات الداعمة لكل خطوة يقوم بها ترامب بما فيها نقل السفارة الأميركية الى القدس الشرقية والإعتراف بسيادة الإحتلال الإسرائيلي على مرتفعات الجولان السوري المحتل .

فعسى أن تأتي اللحظة المناسبة التي يدخل معها فارس إلى "بلاط" البيت الأبيض ولو على صهوة سيل من المؤامرات الإعلامية التي برع الرجل بإدارة دفتها واللعب بين سطورها .