بات في حكم المَقضيّ، ووفق معلومات موثوقة ومؤكدة، ان الموازنة العامة للعام 2019 لن توضَع على طاولة ​مجلس الوزراء​ إلا بعد عيد الفصح، هذا يعني أن الموازنة "رُحِّلَت" إلى شهر أيار، بتأخير خمسة أشهر عن موعد إقرارها الذي كان يجب ان يكون في آخر السنة الفائتة، وبتأخير شهرين عن التاريخ الذي حدده الموفد الفرنسي المكلف تنفيذ مقررات ​مؤتمر سيدر​ "​بيار دوكان​" الذي كان طلب أن تُنجز الموازنة في آخر آذار الفائت كحد أقصى، وفي آخر هذه السنة يجب ان تُنجز موازنة العام 2020.

إذًا، موعد جديد يُضرب للموازنة، لنعود مجددًا إلى "لغة الأرقام" التي حين تتحدث فلا يعود هناك حديث آخر.

الموازنة لم تعد من الأمور المستعصية، بل إن تأمين "تمويلها" بات من الأمور المستعصية، خصوصًا أنها ليست "موازنة استثمارية"، إذا صح التعبير، بل هي "موازنة نفقات":

فتكلفة الرواتب للعاملين في ​القطاع العام​ من عسكريين ومدنيين تقدّر حالياً بأكثر من 8 آلاف مليار، أي ما يعادل نحو 5 مليارات و500 مليون دولار، موزّعة على 150 ألف موظف وما يزيد على 100 ألف متقاعد بين مدنيين وعسكريين.

"النفقة" الثانية هي الفوائد على ​الدين العام​.

"النفقة" الثالثة هي ​المحروقات​ لمعامل ​الكهرباء​ وللبواخر.

فماذا يتبقَّى؟

من هنا كانت الضرورة لبدء التفكير لإعادة النظر في رواتب رؤساء وأعضاء مجالس الإدارات، ويقول خبراء ومصرفيون ان بعضها لم يعد من ضرورة لوجودها لغياب أي دور لها، إضافة إلى إقفال بعض السفارات ال​لبنان​ية في الخارج، وتقليص إرسال الوفود الوزارية لحضور المؤتمرات والاستعاضة عنها بتكليف السفراء لتمثيل لبنان فيها.

وهناك حديث ما زال يدور في الكواليس، ويتحدث عن امكان دفع بعض التعويضات على شكل سندات خزينة شرط ألاّ تطال صغار الموظفين.

أما التحدي الأكبر فيكون من خلال خفض الرواتب العالية إضافةً إلى إعادة النظر في التعويضات التي تُصرف لرؤساء ​الجمهورية​ والمجالس النيابية والنواب السابقين. هذا البند من شأنه تحقيق هدفين:

الأول تحقيق وفر بمليارات الليرات من جراء خفض التعويضات.

والثاني فتح الباب أمام التخفيضات التي يجب ان تطال المُرتّبات والمخصصات العالية سواء في الإدارات العامة أو المؤسسات الرسمية.

وهناك الوفر الذي يجب ان يتحقق من خلال إعادة النظر بالتدبير الرقم 3 في ما يتعلق بالعسكريين، لكن وبسبب تعقيدات تنفيذه فإن المقترحات تتحدث عن إمكان تقسيم "التدبير الرقم 3" إلى ثلاثة مستويات:

المستوى الأول، إفادة القطاعات العسكرية المنتشرة في ​الجنوب​ في مواجهة إسرائيل من هذا التدبير دون المس فيه، على أن ينطبق أيضاً على القطاعات العسكرية المتمركزة على طول الحدود الشرقية والشمالية للبنان مع ​سوريا​.

وبالنسبة إلى انتشار القطاعات العسكرية في خارج هذه المناطق، فإن التعويض على المشمولين بهذا الانتشار يقضي بأن يُعطى هؤلاء شهرين عن كل سنة خدمة، في مقابل إعطاء شهر ونصف الشهر عن كل سنة للآخرين من هم خارج خطة الانتشار.

في المقابل، فإن استمرار الهجمة على ​القطاع المصرفي​، من شأنه ان يؤدي مفعولًا سلبيًا وعكسيًا، خصوصًا ان القطاع المصرفي أصبح في المرتبة الاولى لجهة تحصين الإستقرار الاجتماعي، ومن ابرز عوامل هذا الاستقرار القروض السكنية التي وافقت عليها المصارف، والتي بلغ مجموعها 131 الف قرض حتى أواخر عام 2018، أي ما مجموعه 13 مليار دولار. فهل تُكافأ المصارف بالحملات عليها؟

دائمًا، لا بد من التذكير بأن المصارف تحمل 33 مليار دولار سندات خزينة بالليرة اللبنانية والعملات الاجنبية لتغطية العجز بالموازنة العامة.

يا سادة. فتشوا عن ابواب الهدر والفساد قبل ان تطرقوا أبواب القطاعات الناجحة التي هي السبب في استقرار البلد.