سُئل مرة أحد الوزراء، ماذا تفعلون بال​تقارير​ الدولية عن الوضع ال​اقتصاد​ي؟

فأجاب بكل بساطة: لا نقرأها!

***

كم هو مؤلِم وحقيقي في آن، هذا القول... لم تعد القراءة من صلب اهتماماتهم، ففي كثير من الكتابات ما هو "وصفة علاج"، لكن الكتابة قد تصبح مضيعة للوقت حين لا تجد التقارير مَن يوليها العناية والاهتمام.

***

نقول هذا الكلام ونحن في صلب المعمعة المتعلقة بمناقشة ​الموازنة​ والتفتيش عن أبواب تقشف وأبواب وقف هدر وأبواب إصلاح في ​المالية العامة​.

جلسات كثيفة ل​مجلس الوزراء​ للتفتيش عما يمكن ان يؤدي إلى التقشف أو إلى وقف الهدر. لكن على طاولة مجلس الوزراء حيث تجري مناقشة الموازنة، نوقش ​تقرير​ دولي وضعته كبريات الشركات العالمية وهي شركة "ماكينزي" ووافق عليه مجلس الوزراء واعتُبِر خارطة طريق للخروج من نفق العجز، وهلل له الجميع، فأين أصبح؟ وهل قرأه أحد؟

***

شركة "ماكينزي" العالمية كانت وضعت دراسة تحت عنوان "الخطة الاقتصادية للنهوض". بتكليف من الحكومة ال​لبنان​ية، بقيمة مليون و300 ألف ​دولار​، والهدف "ايجاد بيئة أعمال جاذبة للاستثمارات الخارجية، وتفعيل قطاعات إنتاجية تنافسية قادرة على تعزيز مؤشرات الأداء الإقتصادي وخلق فرص العمل".

بعد عمل لمدة سنة تقريبًا، قدَّمت "ماكينزي" تقريرها إلى ​الحكومة اللبنانية​، وهو مؤلف من حوالي 1200 صفحة (للمفارقة فإن صفحاته توازي عدد صفحات الموازنة للعام 2019)، ففصَّل خطة حتى العام 2035، وتضمَّن 160 مبادرة وأبرز هذه المبادرات:

الزراعة​ 15 مبادرة

الصناعة​ 12 مبادرة

السياحة​ 22 مبادرة

الخدمات 28 مبادرة

اقتصاد المعرفة 28 مبادرة.

كما تضمن التقرير شرحًا مسهبًا عن ​الفساد​ المستشري والضغوط المالية المرتفعة والإنتاجية المنخفضة للقطاع العام.

***

ماذا تريدون أكثر؟ ولماذا تفتشون عن معالجات؟ ها هو تقرير "ماكينزي" بين أيديكم، وقد تكلفتم عليه مليوناً وربع مليون دولار، فلماذا لا تستفيدون منه؟ كل ما هو مطلوب منكم يا سادة هو أن تقرأوا التقرير، فهل هذا الطلب صعب؟

***

ما سبق يوصِل الى استنتاج مخيف، وهو: لا ينقص لبنان الدراسات والتقارير بل النية والقرار في تنفيذ مضمونها، فهل السلطة التنفيذية تملك النية والقدرة والقرار؟

تقرير "ماكينزي" أصبح في أيدي الطبقة السياسية بالتزامن مع ​تشكيل الحكومة​ وبدء الحديث عن إعداد الموازنة، فلماذا "تبخَّر"؟ هل لأن هناك قرارًا بصرف النظر عن الدراسات والعودة إلى الإرتجال؟

وللعِلم ، فإن تقرير "ماكينزي" ليس يتيمًا، كم من التقارير التي قدمتها الحكومة اللبنانية إلى مؤتمر "سيدر"، والمفترض على ضوئها ان تحصل على ​القروض​ والهبات، فلماذا لا يؤخَذ بتقارير "سيدر" أيضًا؟

لا حياة لمن تنادي!