قدرنا أن نولد ونحيا في هذه األرض الطبيعية، أرض القداسة واإليمان والعطاء والخير، أن نعيش على التراب الطاهرة للسهول والقمم نتنشَق دائماً وأبداً عبير العزة والكرامة، لأننا من هذه الأرض التي إصطفاها الله على سائر الأكوان فخصها برسالته السماوية، التي أوحت لمفكرين وعباقرة فخطوا لنا طرقا في اإلصالح والتقدّم والرقي. فهي مسيرة مستمرة منذ الأزل وستستمر إلى الأبد .

ولأن بلادنا هكذا فقد كانت على الدوام هدفاً للطامعين والغزاة يسعون الى احتلالها والسيطرة عليها وإستعبادنا كأحرار فكان أيضاً قدرنا أن نقاتل دفاعاً عن حقّنا فيسقط منا الشهداء والجرحى ونستمر حتى النَصر العظيم.

من أين أبدأ من المغول أو الصليبيين أو المماليك أو العثمانيين وصولا إلى الفرنسيين والإنكليز والأميركيين وال​إسرائيل​يين، إنها حرب واحدة بوجوه كثيرة، فنحن واحد أبناء أرض واحدة ومسيرة واحدة، أبناء أمَة عربية واحدة، وهم عدو واحد بأقنعة كثيرة.

فمع إستبدال الإحتالل العثماني بالإحتالل الفرنسي – البريطاني وتقاسم النفوذ بين سايس وزميله بيكو في تقسيم المنطقة إلى دويالت صغيرة وتمهيد الطريق أمام تحقيق ​وعد بلفور​ في إنشاء الكيان الصهيوني الغاصب للأرض المقدسة، كانت لنا وقفة وثورة أرغمتهم على الإنسحاب لكنهم كرسوا دولتهم الغاصبة التي إستطاعت نتيجة تخاذل معظم الزعماء والحكّام العرب على الإستقواء والعدوان حتى كانت حرب تشرين المجيدة عام 1973، الزعيم الراحل حافظ األسد، الذي أفهم كل أعداء هذه الأمة أن هناك قائد وأمة لن تتهاون بعد اليوم عن حقِها في إستعادة الأرض العربية السليبة.

من هنا بدأ تشكُل المحور المقاوم السوري – ال​فلسطين​ي – ال​لبنان​ي، الذي إستمدَ َزخَْمُه وقوته مع إنتصار ​الثورة الإسلامية​ في ​إيران​، فزالت سفارة إسرائيل في ​طهران​، وحلَت مكانها سفارة فلسطين.

وفي ظل هذا المحور اللبناني- السوري – الإيراني ولدت ​المقاومة​ التي أرغمت إسرائيل وعمالئها على الانسحاب من ​جنوب لبنان​، وسطرت بذلك أروع ملحمة بطولية شهدتها أمَتنا في عصرنا الحديث.

فقد تكرَسَ فعلا لا قولا تحالف بالدم اللبناني – السوري، وأعلنها صريحة واضحة الرئيس الراحل ​حافظ الأسد​ أن زمن الهزيمة قد ولَى وأن زمن الإنتصار قادم بفضل هذا التحالف الذي لم ولن تنجح قوى العدوان بفك أواصره وروابطه، فأغمض عينيه مطمئناً أن المسيرة ستستمر وأن خليفته الدكتور ​بشار الأسد​ سيكون في الموقع والموقف جنبه إلى جانب المقاومة البطلة.

ولم تطل السنوات حتى جاءت ​حرب تموز​ 2006، ليعلن الرئيس الأسد وقوفه قولا وفعلا إلى جانب المقاومة، ولم يبخل بأي شيئٍ من أجل الدفاع عن هذه المقاومة.

فكانت شحنات الأسلحة تعبُر الحدود السورية اللبنانية فتمدُ هذه المقاومة بكل ما تحتاجه وتعرض يومها الرئيس الأسد وسورية لشن أنواع المغريات والتهديدات في آن معاً "أن أوقفوا دعم المقاومة ولكم ما تريدون وما ترغبون"، ولمّا فشلوا عادوا إلى التَهديد والوعيد "بأنَ دعمكم للمقاومة سيرتد عليكم سلباً وستكون سورية هدفاً للحرب القادمة".

لكن القائد الرئيس بشار الأسد، وشعبه وجيشه العربي السوري وحزبه كانوا كرجال هللا في الميدان "ما بدلوا تبديلا فكان النصر المؤزر والعظيم في حرب تموز وإندحر العدو الإسرائيلي وكل من دعمه من قوى الشر والعدوان والرجعية العربية، فأيقنت إسرائيل ومن يقف ورائها أن المقاومة أصبحت ركناً رئيسياً وأساسياً في هذا الصراع ومن الصعب ترويضها وكسرها.

فالمقاومة لم تخض مغامرة كما وصفها بعض الحكام العرب بل خاضت حرباً إستراتيجيّة بدلت قواعد الصراع العربي الإسرائيلي، "فولى زمن الهزائم وجاء زمن الإنتصار"، كما قال سماحة أمين عام ​حزب الله​ ​السيد حسن نصرالله​.

فهذا الإنتصار كان إنتصار لسورية – الأسد وإنتصار للبنان بثالثيته الذهبية لا بل الماسية )الجيش – الشعب – المقاومة( الذي ساند بمعظمه هذه المقاومة وحصَنها السيما من خلال "تفاهم ​مار مخايل​" بين زعيم ومؤسس ​التيار الوطني الحر​ العماد ​ميشال عون​ وسماحة السيد ​حسن نصر الله​، الذي حمى المقاومة ومنحها الغطاء الوطني الإسلامي – المسيحي الشّامل، والذي توَج بإنتصار آخر عنيت به إنتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية اللبنانية ليقود رغم كل العقبات والعراقيل والتهديد والوعيد مسيرة إعادة بناء الدولة و​محاربة الفساد​ والتمسّك بحق لبنان وبمقاومته حتى تحرير أرضنا المحتلّة في ​مزارع شبعا​ وتلال ​كفرشوبا​ التي هي لبنانية شاء من شاء وأبى من أبى.

في تلك اللحظة التاريخية المجيدة في إنتصار تموز 2006، بدأ التخطيط والإعداد للحرب والعدوان على سورية لكسرها وتدميرها ألنها وقفت إلى جانب المقاومة. ولأنهم إعتقدوا أيضاً أن تدمير سورية سيمكّنهم في حرب قادمة من تدمير المقاومة بعد إنتصارهم على سورية.

خمس سنوات من التخطيط والحشد والتحريض بكافة الوسائل ...

فكانت حرب على سورية على شعبها وأرضها وجيشها وعلى شجرها وبنيانها، إعتقدوا أن هذا العدوان الهمجي الكبير سيمكنهم من الإنتصار في غضون أسابيع وأشهر، فتوقعوا إنتصارًا في حزيران ثمَ في نهاية العام ثمَ في حزيران وهكذا إذا لم يكن في حزيران سيكون في نهاية العام.

فاليوم بعد إنقضاء ثماني سنوات على تلك الحرب الهمجية صمدت سورية، وإستمرّت الدّولة السورية بقيادة الرئيس بشار الأسد و​الجيش السوري​ مدعوماً من المقاومة ومن إيران ومن ​روسيا​ وفشلوا في مخططهم.

لقد نجحوا في تهجير ​الشعب السوري​ وتشريده وتدمير المكتسبات الخدماتية والإجتماعية الصّحية والتعليميّة التي أرستها ​الدولة السورية​ منذ العام 1970، وبالسنوات الالحقة، لقد دمروا البنيان و​المصانع​ والمعامل وسرق بعضها السلطان العثماني حيث قدّرت خسائر هذه الحرب بأربعماية مليار دوالر.

لكن سورية لم تستسلم، فبرغم كل هذه الخسائر البشرية والمادية المرهقة، ألن هناك قيادة وشعباً وجيشاً يدركون الأمانة التي بين أيديهم فلم يفرطوا بها مهما غلت التضحيات.

أمّا المقاومة من جهتها ردّت الجميل والواجب فكان مجاهدوها جنباً إلى جنب مع جنود الجيش العربي السوري البواسل يسقط منهم الشهيد تلو الشهيد ولا يبالون، بل كل ما سقط شهيد زادوا عزماً وقوّة في مواجهة العدوان التكفيري – ​الإرهاب​ي الذي هو وليد الصهيونيّة وإسرائيل. فالحرب واحدة والعدو واحد بوجوه مختلفة.

أما إيران، فكانت كما هي دائماً وأبداً إلى جانب كل من يسعى لتحرير ​القدس​ فكانت جسراً لتزويد الجيش العربي السوري في كل ما يحتاجه، والتخفيف من معاناة الشعب السوري إجتماعياً وخدماتياً وهذا ما أزعج مؤخراً بعض العربان المتحالفين مع ​أميركا​ ففرضوا حصاراً نفطياً على سورية.

أّما روسيا، فقد إستعادت زمام المبادرة وأدركت موقعها ودورها في هذا

الصراع الإستراتيجي – العالمي. فوقفت دعماً ل​سوريا​ عسكرياً وسياسيًّا وأمميًّا...

وهي تسعى لتعديل الموقف التركي العدائي تجاه سورية، حيث بدأت ​تركيا​ تدرك أنّ العدائية تجاه سورية – الأسد، ترتد عليها أزمات سياسية وإقتصادية وإجتماعية وبالتّالي أصبحت مدركة للجريمة الخطيرة التي إرتكبتها بحق سوريا وشعبها وقيادتها.

نحن اليوم لا نزال في الحرب لكننا نقترب من النصر أكثر فأكثر، ولكن لا تزال أمامنا مسافة طويلة تبعدنا عن هذا الإنتصار، فالأعداء يريدون تمرير ​صفقة القرن​ التي كثر الحديث عنها في الإعلام وهي تقوم على اسس ثالث:

-1 إلغاء ​حق العودة​ نهائياً.

-2 القدس عاصمة إلسرائيل و​الضفة الغربية​ جزء من إسرائيل.

-3 ​الدولة الفلسطينية​ هي في غزة و​سيناء​ وإليها ُينقلُ فلسطين إسرائيل والضفة الغربية.

وبعد هذه الأسس الثالث تكون قد إنتهت ​القضية الفلسطينية​ وإنتهت فلسطين، ولتمرير صفقة القرن هذه يجب إستمرار الحرب على سورية – الأسد وإنّها وإضعافها، وكذلك يجب إضعاف المقاومة ومحاصرة إيران بعد تمزيق الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​ لإلتفاق النووي وتشديد وزيادة العقوبات على إيران.

إستناداً إلى هذا أنا شخصياً لا أتوقّع صيفاً ملتهباً. ولكنّه سيكون على درجة عالية من الحرارة، التي قد تصل في مرحلة معينة إلى إشتباكات محدودة بين إيران والولايات المتّحدة الأميركية، وقد بدأنا نشهد في الأيام الماضية بعضاً من مالمحها، فتمرير صفقة القرن لن يتحقّق إلا بإضعاف هذا الحلف بين إيران وسوريا والمقاومة.

ولكنه حلف أثبتت الوقائع العسكرية والإستراتيجية والسياسية منذ ​حرب تموز 2006​، والحرب الكونية على سورية اليوم. إنّه حلف من القوة بمكان بحيث يصعب كسره وهزيمته.

نحن اليوم إذن على أبواب حرب جديدة، لكنها ستكون الحرب الأخيرة التي تحقِق الإنتصار الكبير، الذي سيقضي على صفقة القرن ويعيد رسم خطوط المواجهة الفعلية. فإسرائيل لن تكون دولة قادرة على التوسع والعدوان، بل ستكون مجرد كيان غاصب لأرض لن يتمكّن من الإحتفاظ بها لعقود قادمة.

فإنتصارنا في سورية في المستقبل القريب وإنتصار إيران في حربها وصمودها مع أميركا سيكون بداية النهاية إلسرائيل وهناك أجيال وأجيال من المجاهدين سيجتاوزن الحدود إلى قلب القدس، وهذا الأمر قد يعتقده البعض حلماً بل هو حقيقة، لقد رأيناها في أيار عام 2000، حيث كانوا الجنود الصهاينة المدجَجين بالأسلحة المحروسين بالدبّابات وتحميهم الطائرات، يفرّون أمام المقاومين الذين لا يعملون شيئاً سوى اإليمان بأرضهم وحقهم.

فهذا الإنتصار الذي تحقق في 25 أيار من العام 2000 هو الذي أسس لإنتصار تموز 2006 ويؤسس لإنتصار قريب في سوريا على كل قوى الإرهاب والتكفير والعدوان، وعلى هؤلاء الذين يخططون في هذه الأيام للإعلان عن صفقة القرن أن يستيقظوا لأننا في شهر أيار، وأننا في عصر قادته بشار الأسد وحسن نصر الله ولّت فيه الهزائم وجاءت الإنتصارات.