لفت ​البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي​، خلال ترؤسه قداسًا بمناسبة عيد ​مار شربل​ في دير مار مارون- عنايا، الى "أننا نصلي مع رئيس الجمهورية ​ميشال عون​ ومع الأحبار والآباء والشخصيات السياسية والعسكرية والمدنية والقضائية والإدارية التي تحيط بكم، نصلي الى ​القديس شربل​ قديس ​لبنان​، ليشفع لنا ولوطننا وشعبنا ومؤسساتنا ولكي تقودوا سفينة البلاد بحكمة وحزم وتعملوا مع معاونيكم على إخراجه من أزماته السياسية والاقتصادية والمالية والاجتماعية، لينعم بالاستقرار الذي هو أحوج ما نحتاج اليه".

وأشار الراعي الى أن "القديس شربل يتلألأ كالشمس في ملكوت السماء ونوره يغطي كل ​الكرة الارضية​، فهو بات معروفا لدى جميع الشعوب دون تمييز ديني أو عرقي أو ثقافي، هو كذلك لأنه حافظ على طبيعته كحبة حنطة زرعها ​المسيح​ في حقل ​بقاعكفرا​ و​الرهبانية المارونية​، فإرتوى من الروحانية المسيحية والرهبانية وسَما بها حتى عاش جميع فضائلها ببطولة، أما الى أية درجة بلغ اتحاده بالله فلا يعلما إلا الله. لكن هذا الإتحاد العجيب ظهر من خلال شهرته العابرة للقارات وآياته وعجائبه التي لا تحصى ولا تعد"، معتبرا أن "القديس شربل هو وجه لبنان في العالم وذروة مسيرة شعب مسيحي لبناني صلّى وصام وعذب واستشهد في سبيل ايمانه والقيم، ونحن مؤتمنون على هذا الإرث النفيس الذي يعيد الجمال الى لبنان. فالجمال وحده يخلص وطننا".

وبين أن "الله زرعه في بقاعكفرا، ووالده ووالدته واخوته واخواته معروفون بالتقوى وحسن السلوك، فبنى شربل حياته المسيحية على هذا الاساس المتين حتى بلغته الدعوة الى الحياة الرهبانية، فترك بقاعكفرا وعمره 20 سنة ولم يعد اليها أبدا. العائلة هي الكنيسة المنزلية واذا فقدت العائلة المنزلية طبيعتها فقد مجتمعنا قيمته الروحية"، مضيفا: "دخل شربل الى ​دير مار مارون عنايا​ معتبرا أنه يطأ ارضا مقدسة يزرعه الله فيها ليكون حبة حنطة مثقلة، شاهد آباءً تشع القداسة من وجوههم فتهيب، ومذاك الحين اعتبر أنه مات عن العالم وعن ذاته ليتحد اتحادا كاملا بالمسيح، مكرسا له جسده وروحه وعقله وارادته وروحيته، ساعيا الى كمائل الفضائل الانجيلية وتسلق ادراجه وسائر الفضائل الالهية والانسانية في سنواته الأولى هنا ثم ​دير كفيفان​، حيث درس الفلسفة واللاهوت لـ6 سنوات؛ فكان يحلق شربل بجناحي العلم والفضيلة".

وذكر أنّ "بعدر سيامته الكهنوتية، شعر أنه بدأ حياة تماهٍ كاملٍ مع المسيح، فعاد الى دير ما مارون حيث عاش فيه 15 سنة وظل ينمو بالفضائل الرهبانية والروحانية مع انخطاف روحي عميق. جسده كان على الأرض ملتزما بحياة الطاعة والفقر والعفة الملائكية، أما قلبه ففوق عند الله، وعظمت فرحة التماهي مع المسيح عندما أذنت له السلطة بالدخول إلى محبسة القديسين بطرس وبولس وهو عمره 47 عاما، حتى وفاته ليلة ​عيد الميلاد​".

ونوّه الراعي إلى أن "في المحبسة، سكب مار شربل كل حبه للمسيح مضاعفا أعماله التقشفية والصلاة الى جانب العمل في الحقل، وكانت ذبيحة القداس محور حياته اليومية يحتفل بها عند الظهر، ويسبقها استعداد كامل في الصلاة والتقشف والعمل، تليها صلاة سجود لساعات. لا أحد يعلم مضمون هذه المناجاة مع الله ولا قيمة تقشفاته وفضائله الا الله الذي جعله قديسا عالميا"، مؤكدا أنّ "المسيح الكاهن الازلي شاء أن يبيّن تماهي الاب شربل معه، ففيما كان يقيم قداسه الاخير وبلغ الى كأس الدم وجسد الرب بين يديه مصليا، أصابه فالج أسقطه أرضا، فأنهضه رفيقه وظل على هذه الحالة حتى طارت روحه الى السماء ليلة ذكرى ميلاد الرب على أرضنا، وكأن الرب يسوع أراد أن يكشف للعالم هذا التماهي مع شربل، فكان الأب شربل الذبيحة المرضية للأب مع ذبيحة الابن الاله، ووفاته ليلة الميلاد كان ميلاده الساطع في المساء، فإنبثق النور من قبره طيلة 45 يوما".

وشدد على "أننا نصلي ليظللنا نور القديس شربل فينجلي أمامنا وجه المسيح الفادي، في لبنان وهذا المشرق، نرفع من ارضنا نشيد المجد والتسبيح للثالوث القدوس الاحد، الاب والابن ولروح القدس، الآن والى الأبد".