ليس سهلا على أيّ تنظيم كان انطلق في اساسه لاجتذاب العناصر على أسس متشددة وعمل عليه لأكثر من 15 عاما، أن يقنع هؤلاء العناصر أنفسهم بوجوب التخلي عن تشدّدهم والتوجه نحو الاعتدال. هذه هي المعضلة التي تواجهها "​عصبة الأنصار​" في مخيم "عين الحلوة" حاليا. فالتنظيم الذي وُلد وفق مبادىء متطرّفة على يدي الشيخ هشام شريدي وتبنى أفكار تنظيم "القاعدة" في فترة من الفترات وبخاصة خلال الحرب الأميركية على العراق التي شارك فيها، يحاول منذ العام 2014 سلوك مسارٍ جديد يقرّبه من الفصائل المعتدلة ويضعه بمواجهة التنظيمات المتطّرفة، لكن كلفة ذلك يبدو أنّها ستكون مرتفعة مع انطلاق عمليّة تصفية لبعض عناصره وقيادييه وآخرهم ​محمد توفيق​ لطفي، الملقب بـ"أبو جندل" حيث جرت تصفيته على يد مسلّح يُشتبه في أنه ينتمي إلى مجموعة "جند الشام" في سياق عملية "ثأر وانتقام" من مشاركة "العصبة" في انهاء ظاهرة بلال العرقوب مطلع شهر آب الجاري.

وتفتح "العصبة" منذ سنوات قنوات تواصل مع الأجهزة الأمنية اللبنانية للمساعدة في توقيف مطلوبين متشدّدين، كما تنسق مع الفصائل والقوى الفلسطينية لضمان ادارة جيدة لمخيم "عين الحلوة" والتصدّي لأيّ عبث باستقراره، وهذا ما انعكس في الأعوام الماضية هدوءا نسبيا في أرجاء المخيم الذي اعتاد أن يعيش على وقع الاشتباكات والاغتيالات والاشكالات شبه اليومية.

وتشير مصادر فلسطينيّة معنيّة بالملفّ الى انّ الصراع بين "عصبة الانصار" والفصائل الاخرى، وبخاصة حركة "فتح" كان سببه بشكل اساسي "محاولة العصبة تعزيز نفوذها وبسط سيطرتها على المخيم على حساب "فتح" ما كان يؤدي لمواجهات وكباش مستمر بين الطرفين"، موضحة انه "ومن دون سابق انذار قرّرت قيادة العصبة التي يتولاّها حاليا أبو طارق السعدي ومجلس شورى يعاونه، اعتماد نهج جديد في التعامل والتعاطي مع مختلف الفرقاء، سواء اللبنانيين او الفلسطينيين منذ العام 2014، فأثبتت عن جدّية في قيام شراكة ميدانيّة وتنسيق ميداني من خلال لقاءات دوريّة لايجاد قواسم مشتركة وتشكيل جبهة وطنيّة عريضة يحافظ من خلالها كل طرف على افكاره وايديولوجيته من دون ان يسعى لفرضها على الآخرين". وتضيف المصادر: "لكن هذا التبدّل المفاجىء غير التدريجي لم يتمكّن الكثير من العناصر استيعابه ما أدّى لتشظّي العصبة من الداخل وانشقاق عدد كبير من قياداتها وعناصرها على مرّ السنوات، وأبرزهم ​عماد ياسين​ الذي شكّل "جند الشام"، هيثم السعدي الذي شكّل "فتح الاسلام" وعبد الله الشريدي الذي يقود "عصبة النور".

وتشير المصادر الى انّ العناصر تمّ اجتذابهم على اساس رفض فكرة الالتقاء مع الآخر والانفتاح، اما اليوم ومع تبدّل الأحوال يرفض الكثيرون الانصياع لقرارات القيادة ويفضلون الانشقاق والانضمام الى التنظيمات المتطرّفة الأخرى المتمسّكة بأفكارها وأجنداتها.

وبحسب المعلومات، يبلغ عدد عناصر "عصبة الأنصار" حاليا نحو 300 عنصر معظمهم من الجيل الجديد، وينحصر الجيل القديم بالقيادات. وبالرغم من صدور القرار الاتّهامي بجريمة اغتيال القضاة الأربعة في صيدا في العام 2017 والذي يتّهم "العصبة" بتنفيذ الجريمة، الا أن تداعيات القرار بقيت محدودة جدّا نظرا للتوجّهات الجديدة للقيادة المتعاونة مع الأجهزة اللبنانية.

ويبقى السؤال الاساسي، ما الذي دفع "العصبة" نحو الاعتدال المفاجىء؟ وما الذي سيردعها من العودة الى التطرّف في مرحلة من المراحل؟ والأهم من يموّل هكذا تنظيم وسواه ويحدد له أجندته؟!.