حين اندلعت المواجهة الشرسة بين النائب ​طلال ارسلان​ والنائب السابق ​وليد جنبلاط​، بدا الحديث عن الغاء ومحاولات اغلاق البيوت السياسية ودور السياسيين، و"قامت الدنيا" ولم تقعد منذ ذلك الحين الى ان عادت الامور الى مجاريها وانعقد اللقاء الشهير في قصر بعبدا، واعقبه زيارة "عائلية" لجنبلاط الى رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ في المقر الرئاسي الصيفي في بيت الدين.

اليوم، عادت الامور الى مجاريها بين آل جنبلاط وآل عون وبالاخص وزير الخارجية ​جبران باسيل​ الّذي زاره النائب ​تيمور جنبلاط​ في اللقلوق. كل هذه التطورات أتت لتقضي على أي كلام عن الغاء اي طرف في لبنان، ولم يعد احد ينطق بهذه العبارة التي زاد التداول بها منذ حادثة ​قبرشمون​ ولاسابيع عدة. وبين هذا الوقت وذاك، حرّك جنبلاط شبكة اتصالاته المحلية والدولية لضمان استمرار المعادلة في لبنان قائمة، وقطع الطريق امام اي مفاجأة قد تحصل ولو بنسبة ضئيلة جداً، فكانت نسبة اثبات الحضور القوي ان عبر روسيا او عبر مصر او غيرهما من الدول، اما على الصعيد المحلي، فتحرك رئيس مجلس النواب ​نبيه بري​ دون هوادة لاعطاء التطمينات اللازمة والحصول على اخرى لعدم استفراد الحليف واحراجه بغية اخراجه.

لم يكن من المنطقي لاحد ان يفكّر بوجود رغبة لدى اي طرف من اجل الغاء الآخر سياسياً، ليس بسبب "المحبة" التي تسود بين الاطراف (وهو امر غير موجود ولا يمكن تصديق وجوده حتى لو تم الكلام عنه بشكل علني)، بل بسبب عدم القدرة على القيام بذلك، وهذا درس تعلّمه الجميع منذ سبعينات القرن الفائت، ولا يزال قائماً وفاعلاً ويمكن القول ان مدة انتهائه لا تزال بعيدة بعض الشيء.

هذا هو الواقع اللبناني، ولمن لم يتقبّله بعد، فالدعوة مفتوحة وصادقة له لعدم تصديق او الاقتناع بشن اي طرف "حرب الغاء" سياسية على طرف آخر، لانها ستكون محكومة بالفشل حتى قبل بدايتها، الى اي طائفة او مذهب انتمى هذا الطرف، ومهما كان حجمه الشعبي كبيراً ام صغيراً، الشرط الوحيد ان يكون احد اللاعبين الاساسيين على الساحة اللبنانية، لان هذا الامر من شأنه ان يجعله صاحب شبكة اتصالات واسعة محلية واقليمية ودولية، وبالتالي يصبح من الصعب ان لم يكن من المستحيل، القضاءعليه سياسياً او تخطيه وتركه لمصير مجهول.

اثبتت الايام انه مهما كانت الاوضاع المحلية، ومهما تقلّبت المواقف السياسية، ومهما تغيّرت الظروف الاقليمية والدولية، فإن اللاعبين الاساسيين في لبنان سيبقةن على حالهم، ولو تقلّص دورهم حيناً لانه سيعود الى النمو احياناً (وفق سياسة العرض والطلب الاقليمية والدولية)، فشباك النجاة منسوجة سلفاً لهؤلاء بخيوط حديدية صلبة لا يمكن قطعها او اتلافها. اختفى الكلام فجأة عن محاربة جنبلاط ومحاولة القضاء عليه سياسياً، وعادت نغمة المصلحة الوطنية العليا الى البروز مجدداً، فيما كانت غائبة عن قاموس الكثيرين خلال تداعيات الحادثة التي شهدتها بلدة قبرشمون في الجبل، والتي هددت فعلياً البلد بشكل تام بفضلالشلل الذي وقع فيه وفترة الجمود التي طالت وهددت بإيصاله الى حافة الهاوية الاقتصادية والمعيشية، رغم صمود الجبهة الامنية.

هذه "النعمة" التي يستفيد منها اللاعبون اللبنانيون، تجعل منهم اناساً "خالدين" لا يموتون الا عندما يختارهم الله، بينما يبقون في الحياة السياسية خلال حياتهم وبعد مماتهم عبر ورثتهم، ولا يكون قرار مغادرتهم السياسة متعلقاً بهم حتى لو ارادوا ذلك، لان "النعمة" اللبنانية الممنوحة تبقى، وللاسف، الى الابد! وبعد كل ذلك، هل من الكثير ان نطلب من اي لبناني الا يعود الى استعمال عبارات الالغاء وانهاء الحياة والادوار السياسية لاي طرف لبناني؟.