المُحادثات التي أجراها رئيس الحُكومة اللبنانية ​سعد الحريري​ في باريس أخيرًا، مع كبار المسؤولين الفرنسيّين، وفي طليعتهم الرئيس إيمانيول ماكرون، وكذلك المُحادثات التي ينتظر أن يُجريها رئيس الجمهوريّة العماد ​ميشال عون​ في نيويورك، خلال مُشاركته والوفد المُرافق في أعمال الدورة رقم 74 من أعمال الجمعيّة العُموميّة للأمم المتحدة، تصبّ في جانب أساسي منها في خانة إنقاذ الوضع الإقتصادي اللبناني، عبر العمل على أكثر من خطّ. فما هي أهمّ الأبواب التي تُشكّل مخارج إنقاذيّة للبنان، وما هي العقبات التي من الضروري تجاوزها؟.

أوّلاً: يُعتبر تنفيذ مُقرّرات "مُؤتمر سيدر" أحد أهمّ الأبواب التي يُعوّل لبنان عليها للتمكّن من مُواجهة الضُغوط الإقتصاديّة والمالية-ولوّ جزئيًا ولمرحلة زمنيّة مَحدودة، وقد حاول رئيس الحُكومة اللبناني حثّ المسؤولين الفرنسيّين على البدء بتنفيذ المُقرّرات بدون تأخير، لدعم لبنان. وبحسب المَعلومات المُتوفّرة سيتم قريبًا إعطاء "الضوء الأخضر" لبدء تنفيذ رُزمة من المشاريع الإنمائيّة تبلغ كلفتها نحو مليار و400 مليون دولار، من أصل مبالغ كبيرة موعودة تُقارب قيمتها 11 مليار دولار ستُمنح للبنان على دفعات، وطبعًا كقروض وليس كهبات. ويُنتظر أن تعقد "هيئة المُتابعة الإستراتيجيّة" المُخصّصة لوضع آليّات تنفيذيّة لمُقرّرات مؤتمر "سيدر"، في العاصمة الفرنسيّة في تشرين الثاني المُقبل، في حُضور مُمثّلين عن المؤسّسات المالية التي ستُساهم في قروض "​مؤتمر سيدر​"، إضافة إلى رئيس ​الحكومة اللبنانية​ ووزراء ومسؤولين فرنسيّين، إلخ.

ثانيًا: تُعتبر مسألة البدء بالإجراءات التطبيقيّة لإستخراج ​النفط والغاز​، من المياه الإقليميّة والدوليّة اللبنانيّة، أحد أبرز الأبواب لخروج لبنان من أزمته، ولبدء مسيرة طويلة على طريق إصلاح الخلل في ميزانيّته، لجهة مُعالجة مُشكلة إرتفاع النفقات مُقارنة بالواردات، بالتزامن مع إيجاد فرص عمل تُعيد النشاط إلى الدورة الإقتصاديّة في لبنان. ويعمل لبنان الرسمي على هذا الخطّ، ويسعى كبار المسؤولين لمُحاولة تحريك هذا الملفّ خلال لقاءاتهم وإتصالاتهم الدَوليّة، علمًا أنّ هذا الملفّ الحسّاس سيكون مُدرجًا في كلمة رئيس الجمهوريّة في نيويورك.

ثالثًا: تُعتبر مُشكلة اللاجئين السُوريّين من أبرز المشاكل الحديثة التي تُثقل كاهل لبنان، وهي كانت تفاقمت وتصاعدت تدريجًا منذ العام 2011 حتى اليوم، إلى درجة أنّها باتت تُشكّل عبئًا كبيرًا على الدولة ومؤسّساتها، إضافة إلى تأثيرها السلبي الكبير على فرص العمل المُتاحة للبنانيّين، لجهة تسبّبها بمُنافسة غير شرعيّة في أغلبيّة الأحيان، للعامل اللبناني من جانب اليد العاملة السُوريّة. ويُنتظر أن يكون ملفّ ​النازحين​ محورًا أساسيًا أيضًا ضُمن كلمة رئيس الجمهوريّة في نيويورك، وكذلك على جدول أعمال اللقاءات الرفيعة المُستوى التي سيعقدها.

لكن المُشكلة أنّ ​الولايات المتحدة​ الأميركيّة، وكذلك الدُول الأوروبيّة، يربطون مُساعدة لبنان، بتنفيذه مجموعة من المطالب السياسيّة والأمنيّة والديمغرافيّة، إضافة إلى إلتزامه بمجموعة من الشروط الإقتصاديّة والمالية الإصلاحيّة. وفي هذا السياق، وبالنسبة إلى مسألة البدء بإستخراج المُشتقّات النفطيّة مثلاً، والتي يُفترض أن تنطلق أعمال حفر الآبار التجريبيّة الخاصة بها قريبًا جدًا، فإنّها لا تزال عالقة بفعل الشروط ال​إسرائيل​يّة، وبفعل الضُغوط الأميركيّة غير المُباشرة، والتي تشمل في جزء منها شركات النفط. ويبدو أنّه ما لم يتمّ ترتيب الوضع الأمني الحدودي بين لبنان وإسرائيل برًّا وبحرًا، وما لم يتمّ الإستحصال على تعهدّات بالإلتزام بالإستقرار الأمني في الجنوب، وبالنأي عن صراعات المنطقة، لن يُسمح بدُخول لبنان إلى نادي الدُول المُنتجة والمُصدّرة للنفط، أو أقلّه سيتمّ وضع كل ما يلزم من عراقيل لتأخير هذا الأمر قدر المُستطاع.

أمّا في ما خصّ مسألة إعادة اللاجئين السُوريّين إلى بلدهم، فهي لا تزال دون حلّ جذري حتى الساعة، في ظلّ الضُغوط الدَوليّة على لبنان، لجهة عدم تسهيل عودة اللاجئين لا لوجستيا ولا ماليًا، لإستخدامهم كورقة سياسية على طاولات المُفاوضات من قبل الدول المعنيّة. ولعلّ تصريح مُساعد وزير الخارجيّة الأميركيّة دايفيد شينكر في هذا المجال، والذي قال فيه إنّ لا يُمكن للنازحين السُوريين العودة إلى بلادهم في ظلّ النظام السُوري الحالي، هي خير تعبير عن النهج الأميركي والغربي إزاء هذا الملفّ الذي يدفع لبنان ثمنه غاليًا. وعلى الصعيد الداخلي، لم تُطرح حتى اليوم خطة وزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب، على طاولة مجلس الوزراء، علمًا أنّها تقضي بالتنسيق مع الجانب السُوري لوضع الآليّات التنفيذيّة للعودة، مع ما يُثيره هذا الموضوع من تباينات داخليّة، تُضاف إلى التضييق الدَولي. حتى أنّ الإدارة الأميركيّة تُحاول تمرير مطالب ديمغرافية أخرى، مُرتبطة ببقاء اللاجئين الفلسطينيّين في الدول التي تستضيفهم، كجزء من أي تسوية مُقبلة للصراعات في الشرق الأوسط.

وحتى بالنسبة إلى تنفيذ "مُقرّرات سيدر"، فإنّ الطريق ليس مزروعًا بالورود، حيث أنّه وإضافة إلى ربط هذه القُروض بشروط إصلاحيّة قاسية على الدولة اللبنانيّة تطبيقها خلال فترة زمنيّة قصيرة، لن تكون الكثير من الدول المَعنيّة بالمؤتمر على إستعداد لتنفيذ تعهدّاتها المالية إزاء لبنان، في حال إتخاذه قرارات أحاديّة في ملفّ النازحين.

في الخُلاصة، وعلى الرغم من الجُهود التي يقوم بها لبنان الرسمي، من أعلى الهرم نزولاً، فإنّ الحُصول على أموال سيدر المَوعودة، والبدء الفعلي وليس الفولكلوري لإستخراج المُشتقّات النفطيّة من المياه الإقليميّة اللبنانيّة، والشروع الفعلي أيضًا في إعادة النازحين إلى أرضهم بأعداد كبيرة تُحدث فارقًا على الأرض... ستبقى مشاريع مُجمّدة أو مؤجّلة، إلى حين الحُصول على أضواء خضراء خارجيّة، مُرتبطة إرتباطًا لصيقًا بمطالب سياسية وأمنيّة وديمغرافيّة على لبنان تنفيذها! والأكيد أنّ الصراع المُتفاقم مع ​إيران​، بما يتضمّنه من عُقوبات أميركيّة مُتصاعدة عليها، ومن إمتدادات تصل إلى "​حزب الله​"، لا يُشكّل عاملاً مُساعدًا لباقي الملفّات العالقة، بل عاملاً خلافيًا إضافيًا!.