لم نكن بحاجة الى تحرك الشارع لتبيان وجود أزمة اقتصاديّة تضغط على المواطنين، فبوادرها لاحت منذ زمن بعيد ولكن مفاعيلها اشتدّت منذ مدّة قصيرة، فكان لا بدّ من التحرك لمواجهتها، وبنفس الوقت مواجهة مطلقي الشائعات، وهو أمر تابعته "​النشرة​" منذ أشهر لانّ مساره لم يتوقف، داخليا وخارجيا.

يتّفق كل الأفرقاء في ​الحكومة​ على ضرورة مواجهة الأزمة، ولكن يختلفون حول "طريقة" مواجهتها، لا بل يمكن القول أنهم يختلفون بداية حول أسبابها، ففي حين يراها فريق ناتجة عن ضغوطات دوليّة أميركيّة، وتراكمات اقتصاديّة داخليّة، يراها فريق آخر ناتجة عن ضغوط سوريّة. المهم أنّها موجودة ولا بد من التحرك لحلّها. وفي هذا السياق توجد وجهتا نظر حول بداية الحل، الاولى ويقودها رئيس الجمهوريّة ​ميشال عون​ وتشدد على أن الحل يكون بتفعيل الحكومة والتضامن الحكومي، والثانية تفضّل استقالة الحكومة الحاليّة.

فور عودة ​رئيس الجمهورية​ من زيارته الى نيويورك طُرح السؤال حول التحرّك المقبل له، وفي هذا السياق تشير مصادر سياسية مطلعة الى أن الرئيس الذي يعلم بأن صلاحياته محدودة ليس وحيدا، بل مدعوما من فريق سياسي اسمه ​التيار الوطني الحر​ ويملكان سويّة ثلث أعضاء الحكومة، والتمثيل الشعبي الواسع، وحلفاء أقوياء، وبالتالي فإنّ تحركه لن يكون تحرّك رجل بلا صلاحيات.

تكشف المصادر أن عون سيجري هذا الأسبوع لقاءات عديدة للاستماع الى المعنيين بما يجري، مع العلم أنه هذه المرة لن يلعب دور المستمع وحسب بل دور الموجّه، على أن التوجيهات يجب أن تُنفّذ بحيث لا تبقى مجرّد آراء يُؤخذ بها أو لا، مشيرة الى أنه بمعيّة الفريق السياسي الاوسع في الحكومة الذين يؤيدون وجهة النظر الاولى، يريدون تفعيل التضامن الحكومي واتخاذ القرارات الجريئة لأوّل مرة، بما يتعلّق بعمل ​المصارف​ والمراقبة والمحاسبة، ولكن ليس على قاعدة التوافق، اذ بإمكان من لا يرغب بهذه القرارات أنْ يخرج من الحكومة، بدل أن يلعب الدور المعارض داخلها.

لا شكّ بحسب المصادر أن فريقا حكوميًّا بات يطالب بالسرّ والعلن باستقالة الحكومة على اعتبار أنها بداية الحلّ للأزمة، مع التوجّه نحو حكومة تكنوقراط، الأمر الذي تطالب به ​القوات اللبنانية​، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هل الحل يكمن في التغيير الحكومي؟!.

تؤكد المصادر أن هناك شبه إجماع على أن هذا الأمر غير منطقي، نظراً إلى دقّة المرحلة التي تمرّ بها البلاد، والتي تتطلب تعاون مختلف الأفرقاء في المعالجة، في حين أن تشكيل أي حكومة جديدة قد يكون أمراً مستعصياً، بسبب تعاظم الخلافات السياسيّة بين مختلف الأفرقاء. وفي هذا السياق، من الطبيعي السؤال عما إذا كانت البلاد تتحمّل الدخول في حالة من الفراغ الحكومي ستمتد أشهراً، أو أن تركيبة أيّ حكومة جديدة ستكون مختلفة عن الحالية، وفي حال قرّرت بعض القوى عدم المشاركة فيها والذهاب إلى خيار المعارضة هل سيساعد ذلك في حل المشكلة؟!.

ترى المصادر أن خيار إسقاط الحكومة قد يكون هو الخيار الأسهل، وربما الأسهل منه خروج البعض إلى المعارضة والسعي إلى إستغلال ذلك شعبياً، لكن عملياً فإنّ ذلك لن يعود بأيّ نتائج إيجابية على البلاد، بل على العكس من ذلك قد تكون نتائجه كارثيّة، في حين أن المطلوب تفعيل العمل الحكومي راهنًا، خصوصاً أن كل تأخير في العمل تدفع البلاد ثمنه غالياً.