أصبح بإمكان المُحتجّين في الشارع إضافة المزيد من الأسباب للتصويب على السلطة بشكل عام، وعلى الحُكومة بشكل خاص، حيث أنّ الإتصالات والمَواقف الرامية إلى مُحاولة الخروج من الأزمة الراهنة، لا ترتقي لا بالشكل ولا بالمضمون ولا حتى بسرعة التحرّك، إلى حجم المآسي التي يعيشها لبنان حاليًا، وإلى حجم الكارثة التي تتفاقم مع كل يوم تأخير! فما هي الأسباب التي حالت والتي لا تزال تحول-حتى تاريخه، دون حلّ الأزمة، وخُصوصًا دون إستقالة رئيس الحُكومة ​سعد الحريري​؟.

لا يختلف إثنان على أنّ مطلب إسقاط العهد، بكامل أركانه ومسؤوليه، هو مطلب غير واقعي في بلد كلبنان، وخارج إطار البحث كليًا. وبالتالي، إنّ الخيارات المَطروحة لمُحاولة الخُروح من الأزمة الحالية، تتراوح بين إستقالة الحكومة كليًا من جهة، وإجراء تعديل جزئي يطال عددًا من وزرائها من جهة أخرى-بغضّ النظر عن حجم هذا التعديل وعن طبيعته، وعن هويّة الوزراء الذين سيشملهم.

بالنسبة إلى خيار إستقالة الحُكومة بشكل كامل، فإنّه يلقى مُعارضة من قبل أكثر من جهة داخليّة وخارجيّة. وفي هذا السياق، يرفض "حزب الله" كليًا الخروج من السُلطة التنفيذيّة في ظلّ الصراع الإقليمي الشرس القائم في المنطقة حاليًا، وبالتالي يرفض "الحزب" خيار حُكومة تتكوّن من شخصيّات مُستقلّة وتكنوقراط فقط لا غير. وهذا الرفض ينسحب على "التيّار الوطني الحُرّ" الذي يُعارض بدوره الخروج من السُلطة، لأنّ العهد الرئاسي عهده، ولأنّ الخروج من السُلطة يعني الإقرار بالفشل. حتى أنّ رئيس الحكومة نفسه يرفض الإستقالة وتحويل حُكومته إلى حكومة تصريف أعمال، من دون الإتفاق مُسبقًا على حُكومة بديلة، لأنّه يعتبر أنّ الخلافات والتباينات قد تحُول عندها دون تشكيل أيّ حُكومة جديدة، مع ما يعنيه هذا الأمر من مخاطر كبرى على الإستقرار الداخلي، علمًا أنّ الحريري يخشى أيضًا عدم تسميته مُجدّدًا. وخشية "تيّار المُستقبل" من تفاقم الأزمة،تتلاقى مع قلق مُماثل من جانب مجموعة من الدول الغربيّة المؤثّرة في الداخل اللبناني، حيث أنّها تُشدّد على ضرورة حفظ الإستقرار في لبنان، ولوّ أنّها تُغطّي مطالب المُتظاهرين، مع العلم أنّ بعض هذه الدُول يُحاول تحقيق مكاسب مُعيّنة، على غرار إبعاد "حزب الله" عن الحُكم، على سبيل المثال لا الحصر.

وبالنسبة إلى خيار التعديل الجزئي للحُكومة، تحت عنوان إخراج "الوزراء المُستفزّين"، فهو بدوره لا يزال مُتعثّرًا حتى تاريخه، حيث أنّ "التيّار الوطني الحُرّ" يرفض كليًا مُحاولات إخراج وزير الخارجية جبران باسيل من الحُكم تحت ضغط الشارع، ويعتبر أنّ هذا الخروج عبارة عن إفتراء مَرفوض، ويُوازي من حيث الأهميّة خروج رئيس الحكومة نفسه من الحُكم. كما أنّ "حزب الله" الذي لا يُمانع إجراء تعديل في أسماء بعض الوزراء، وإدخال بعض الشخصيّات التي تحظى بتأييد الشارع، يرفض إخراج باسيل، ويرفض تغيير الهويّة السياسيّة الإجماليّة للحُكومة الحاليّة، والتي تميل بوُضوح لصالحه. والخلافات على التعديل الجزئي للحكومة، لا تقتصر على بعض الأسماء الرئيسة فيها فحسب، بل يشمل عدد الوزراء المطلوب إستبدالهم، وكذلك التوازنات السياسيّة والطائفيّة والمذهبيّة فيها، بعد خروج أربعة وزراء مسيحيّين أحدهم أرمني، محسوبين على حزب "القوات اللبنانيّة"، منها. وبالتالي، تُوجد عقبات تتمثّل في تحديد الجهة التي ستُعيّن بدلاء عن وزراء "القوّات"، وكيف يُمكن الحفاظ على التوازن السياسي الذي كان قائمًا، إلخ.

وعلى الرغم من كل العراقيل والصُعوبات، تتواصل حاليًا الإتصالات البعيدة عن الأضواء، في مُحاولة للتوصّل إلى صيغة تعديل حُكومي جزئي، قادر على إمتصاص نقمة المُحتجّين، بالتزامن مع تلبية شروط وضُغوط الأحزاب والتيّارات الحاكمة، علمًا أنّ أوساط المُتظاهرين، والجهات التي تقف خلفهم، تعتبر أن ما يُحكى عن تعديل جزئي للحُكومة ما هو سوى مضيعة جديدة للوقت، ولن يُسفر عن سحب الناس من الشارع، وتُشدّد على أنّ إستقالة الحُكومة بكاملها هو الحد الأدنى الذي يمكن القُبول به!.

من هنا، يُمكن القول إنّ رئيس الحكومة الذي يتعرّض لضُغوط كبيرة من الشارع من جهة، ومن القوى السياسيّة المُشاركة في الحُكم من جهة أخرى، هو حاليًا في وضع لا يُحسد عليه. وخياراته تضيق مع الوقت، حيث أنّه لا يُمكنه ترك حال الشلل الحالي في البلاد إلى أجل غير مُحدّد، ولا يُمكنه في الوقت عينه تحمّل مسؤوليّة إراقة الدماء وسُقوط ضحايا لفتح الطرقات المُقفلة بالقُوّة. ورئيس الحكومة، يتعرّض لضُغوط كبيرة لمنعه من تقديم إستقالة حُكومته. فهل سيتفلّت من هذه الضُغوط ويستقيل قبل فوات الأوان، ليفرض أمر واقع،وليضع الجميع أمام مسؤوليّاتهم، باعتبار أنّ نقمة الناس–إن المُشاركين في التظاهر والإحتجاجات أو الراغبين بالتنقّل بحريّة على الطرقات، بلغت ذروتها؟! الساعات والأيّام القليلة المُقبلة ستحمل إجابات أكثر وُضوحًا.