كما لا يختلف إثنان على أحقيّة المطالب المعيشية التي يرفعها المتظاهرون قي الساحات والشوارع منذ إنطلاقة الحركة الإحتجاجية على الواقع المعيشي في السابع عشر من تشرين الأول الفائت، لا يختلف إثنان على أن هذا ​الحراك الشعبي​، إنطلق من مكان وأصبح في مكان آخر. إنطلق رفضاً للضرائب الإضافية وللوضع الإقتصادي الصعب، وأصبح بفعل تدخل أحزاب السلطة وغير السلطة، وشخصيات السلطة وغير السلطة، ضمن دائرة تصفية الحسابات السياسيّة وإعتبارات الربح والخسارة وتسجيل النقاط، تارةً على ​حزب الله​ ورئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ وعهده، وتارةً أخرى على رئيس ​التيار الوطني الحر​ وزير الخارجيّة جبران باسيل، وبين التارة الأولى والثانية، على رئيس حكومة تصريف الأعمال ​سعد الحريري​.

من الحريري نبدأ، إذ تشير التقارير الأمنية الى أن أحد النوّاب الّذي كان مقرّبًا الى رئيس الحكومة، هو من دفع بعض الناس الى شوارع العاصمة بيروت، وفي هذا السياق، لوحظ وجود مستشاره الإعلامي شخصياً ولأكثر من مرة خلال التحركات على الأرض، أكان في ساحتي الشهداء ورياض الصلح أو في شوارع أخرى. في عاصمة الشمال طرابلس، تتحدث التقارير الأمنية عن أموال طائلة يصرفها بعض النافذين في المدينة لتمويل إعتصام ساحة النور لوجيستياً. كما يحكى في أروقة المدينة، عن أموال تدفع لتشجيع المتظاهرين على الحضور يومياً الى ساحة النور. ما يجمع البعض في هذا الظرف، كلمتان، رئاسة الحكومة. كلمتان، دفعتا بالحريري أيضاً الى إستعمال شارعه ومناصريه، دفاعاً عن النفس والموقع ومواكبة لإستشارات ما قبل التكليف.

تصفية الحسابات السياسية في الشارع، واضحة أيضاً لناحية إستهداف حزب الله ورئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر. بالنسبة لحزب الله، لم يعد خافياً على أحد دخول الأميركيين على خط التجييش ضده، من الإتصالات التي تجرى مروراً بتشجيع احدى الجامعات في بيروت لطلابها على التظاهر، وهي سابقة، وصولاً الى تعمّد شتيمة السيد حسن نصرالله في الشارع بهدف إفتعال فتنة، وهنا تكشف المصادر الأمنيّة أنها المرة الأولى التي يشارك فيها لبنانيّون يحملون جنسيّة ثانية مع الجنسيّة اللبنانيّة وبعدد كبير في تظاهرات مطلبية. وفي السياق عينه تضيف المصادر الأمنيّة أن من يحرك الشارع في بعلبك مثلاً، وتحديداً على مستديرة دورس وساحة مطران، هم مناصرو الشيخ ​صبحي الطفيلي​، الأمين العام السابق لحزب الله والمعروف بعلاقاته.

أما الحصّة الأكبر من تصفية الحسابات السياسية عبر الشارع، فهي للعهد ورئيس الجمهورية، والتيار الوطني الحر بشخص الوزير باسيل. عن هذه النقطة بالذات، الصور تتكلم، الصور التي إنتشرت عبر شاشات التلفزة ومن بعدها على وسائل التواصل الإجتماعي. صور مسؤولين ومناصرين وحزبيين، يقطعون الطرقات في شكا والبترون والعقيبة وغزير وزوق مصبح والشيفروليه. وصور رفاقهم وهم يقطعون الطريق في جل الديب ومزرعة يشوع وأوتوستراد المتن السريع. وفي هذا السياق، تكشف المعلومات عن غرفة عمليات لأحد الأحزاب قائمة في مبنى قريب جداً من جسر الديب، يتردد اليها رئيس الحزب كثيراً منذ بدء التحركات في الشارع. كل ذلك بهدف إبعاد باسيل عن الحكومة المقبلة وضرب عهد عون.

إذاً، كثرت المطالب ومحرّك ​التظاهرات​ واحد، حسابات سياسيّة تصفّى في الشارع، تارةً بتدخّل خارجي، وتارةً أخرى لتحقيق نقاط داخلية في الحكومة المقبلة وغيرها. والنتيجة، تصبحون على "ثورة".