لن تُولد الحُكومة الجديدة خلال الساعات القليلة المُقبلة–كما تردّد سابقًا، بسبب بروز سلسلة من العقبات التي يجري العمل على حلّها، لكنّ رئيس الحُكومة المُكلّف ​حسان دياب​، سينجح في نهاية المطاف، وبدعم من قوى الأكثريّة النيابيّة، في تشكيل الحُكومة المُنتظرة. لكن ما هي العقبات التي يتمّ العمل حاليًا على مُعالجتها، وما هي فرص الحُكومة المُقبلة على الإنقاذ؟.

كثيرة هي الأسماء التي جرى ويجري التداول بها للتوزير، وكثيرة هي الأسماء التي سَقطت أو إستبدلت أو رفضت المُشاركة من تلقاء نفسها! لكنّ هذه المسألة لن تُشكّل عقبة أمام ولادة الحُكومة في المُستقبل القريب، لأنّ أعداد الطامحين للتوزير كبيرة، ولأنّ الجهات السياسيّة الراغبة بالمُشاركة مَحصورة نسبيًا. وبالتالي، إنّ أبرز الأسباب التي لا تزال تحول دون إعلان الحُكومة الجديدة لا ترتبط بأسماء الوزراء بحدّ عينها، بل بعقبات من نوع آخر، أبرزها:

أوّلاً: العقدة الأبرز تتمثّل بالتمثيل السنيّ حيث أنّ الكثير من الشخصيّات غير مُستعدّة، لمُعاداة "تيّار المُستقبل" أو للخروج عن عباءة وتوجيهات "​دار الفتوى​" والشارع السنّي، علمًا أنّ لقب وزير يُغري الكثيرين، وفي نهاية المَطاف سيتمّ حلّ هذه العقدة من حيث الأسماء. لكنّ المُشكلة في مكان آخر، حيث أنّ "​الثنائي الشيعي​" لا يزال حتى الساعة، يُحاول الدفع نحو أسماء سنّية لا تكون مُستفزّة للشارع السنّي، علمًا أنّ المُفاضلة مَحصورة بإسمين فقط، بإعتبار أنّ الحكومة المُقبلة ستتكوّن من 18 وزيرًا، وبالتالي حصّة السنّة فيها مَحصورة بأربعة أسماء، أحدها رئيس الحكومة، مع منح "​اللقاء التشاوري​" الذي أمّن الغطاء السنّي النيابي المحدود لعمليّة التكليف، وزيرًا واحدًا. والعمل قائم لأن يكون الوزيران الآخران يحظيان بثقة أوسع شريحة مُمكنة من الشارع السنّي، خاصة وأنّ وزارة الداخليّة الحسّاسة ستكون من حصّة أحدهما.

ثانيًا: في الوقت الذي لا مُشكلة في تسمية الوزراء الشيعة الأربعة في الحُكومة، حيث ستتمّ تسميتهم مُناصفة من جانب كلّ من "​حزب الله​" و"​حركة أمل​"، برزت عقبة الوزير الدرزي الوحيد في الحُكومة، حيث يرغب "التيّار الوطني الحُرّ" بأن تكون الكلمة فيه للحزب "الديمقراطي اللبناني" برئاسة النائب طلال أرسلان، بينما يُوجد رأي آخر داخل الأطراف التي لها كلمة في عمليّة التشكيل، يميل إلى إختيار إسم من لائحة شخصيّات الإختصاص التي نُقلت بشكل غير مُباشر إلى رئيس الحكومة المُكلف من جانب "الحزب التقدّمي الإشتراكي"، على أمل الحُصول على أصوات نوّابه عند تصويت الثقة في المجلس النيابي.

ثالثًا: بالنسبة إلى الحصّة المسيحيّة في الحكومة والبالغة 9 وزراء (4 موارنة، 3 روم أرثوذكس، 1 روم كاثوليك، و1 أرمني)، من أصل 18 وزيرًا، فهي أيضًا مدار أخذ وردّ بين رئيس الحكومة المُكلّف وقوى الأكثريّة النيابيّة. وإذا كان الوزير الأرمني سيُسمّيه حزب "الطاشناق"، وأحد الوزراء الموارنة سيُسمّيه "تيّار ​المردة​"، فإنّ التباين في الرأي يطال الوزراء السبعة الباقين، حيث يُطالب رئيس "التيّار الوطني الحُرّ" الوزير ​جبران باسيل​ بأن يُسمّي أربعة منهم، مع منح رئيس الجمهوريّة العماد ​ميشال عون​ حق تسمية الثلاثة الباقين، في حين يُوجد رأي آخر يدفع بأن يتم منح "​الحزب القومي​" الذي سيُصوّت إلى جانب الحكومة وزيرًا، والنوّاب المسيحيّين المُستقلّين الذين سيُصوّتون أيضًا لصالح الحكومة، وزيرًا آخر.

رابعًا: الإتجاه هو لإبقاء توزيع القسم الأكبر من الوزارات السياديّة والخدماتيّة كما كانت عليه في حُكومة تصريف الأعمال، لجهة التوزيع الطائفي والمذهبي وحتى السياسي، على أن تبقى الوزارات التي كانت بيد "تيّار المُستقبل" بيد الوزراء السنّة الجُدد. والعقبة في هذا السياق تنحصر بتوزيع قلّة من الوزارات، وكذلك بتباين بشأن إصرار بعض الأطراف على توزير شخصيّات معروفة، في مقابل رأي مُعارض لهذا الأمر ويُصرّ على أن يكون كل الوزراء جُددًا من دون أيّ إستثناء. إشارة أيضًا إلى أنّ رئيس الحكومة المُكلّف يُصرّ على تسمية 6 وزراء من الجنس اللطيف، الأمر الذي لا يزال مدار نقاش.

بوادر مُعارضة واسعة...

في كلّ الأحوال، الحُكومة ستولد–أكان بعد بضعة أيّام أو بعد بضعة أسابيع، لكن التساؤل الأبرز الذي يفرض نفسه يتمثّل في مدى قُدرتها على أن تحكم من دون مشاكل ومن دون مُعارضة داخليّة واسعة. وكيف ستتمكّن حُكومة الدُكتور دياب من كسب الثقة الداخليّة والعالميّة، إذا ما نجح خُصومها والمُتضرّرون منها، من تصويرها بأنّها حُكومة اللون الواحد، وحكومة سياسيّة بقناع وزراء إختصاص؟! والأهمّ هل ستتمكن الحُكومة المُقبلة من تحقيق الإنجازات، ومن جذب القروض والمُساعدات الماليّة العربيّة والغربيّة، في حال جرى إعادة تحريك الشارع الغاضب ضُدّها، وفي حال وضعت أحزاب "المُستقبل" و"​القوات​" و"الإشتراكي" و"​الكتائب​" ثقلها في سلّة المعارضة؟! فالأكيد أنّ رئيس "تيّار المُستقبل" ​سعد الحريري​ لن يقبل أن تستمرّ مفاعيل "التسوية الرئاسيّة" وهو خارج المُعادلة الحُكوميّة، ومعزول سياسيًا على المُستويين الداخلي والخارجي، حيث سيكون عمل "المُستقبل" مُنصبًّا على عودة الحريري ولوّ بعد حين! من جهة أخرى، وفي حين أنّ حزب "الكتائب" سيمضي قُدمًا بموقفه المُعارض، من المُتوقّع أن تنضمّ "القوات" إلى هذا النهج، بحيث أنّها لن تترك "التيّار" يستأثّر بالسُلطة على المُستوى المسيحي، ويُحقّق الإنجازات، بعد إبعادها ليس فقط عن الحُكم، بل عن أصغر تعيين في إدارات الدولة، بالتزامن مع إنتهاء مفاعيل المُصالحة بين "التيّار" و"القوات" وعودة التهجّمات على أشدّها بين مُناصري الطرفين. إلى ذلك، من غير المُتوقّع أيضًا أن يقف "الإشتراكي" مكتوف الأيدي مع الإستمرار في تجاهله وفي تعويم خُصومه على الساحة الدُرزيّة، بشكل بات يُهدّد وجوده كقوّة سياسيّة كان لها كلمتها الوازنة على الساحة اللبنانيّة. أكثر من ذلك، إنّ "​الحراك الشعبي​" لن يقبل حُكومة تُشكّلها قوى من السُلطة، وهو الذي كان يحلم بتغيير السُلطة ككل، وبحكومة إنتقالية حياديّة، وبإجراء إنتخابات مُبكرة!.

في الخُلاصة، يمكن القول إنّ الحكومة الجديدة ستُولد قريبًا... لكن هل ستكون قادرة على الحُكم، وتحديدًا على تحقيق الإنجازات المُطلوبة بسرعة وقبل فوات الآوان؟ إنّه رهان "يا قاتل يا مَقتول" بين الأكثريّة الحاكمة والأقليّة المُعارضة، والمُشكلة أنّ أحدًا قد لا ينجح في التفوّق على الآخر بشكل حاسم، ما يعني عمليًا أنّ الجميع سيدفع الثمن غاليًا!.