منذ بداية الحراك الشعبي في 17 تشرين الأول، هناك من همس بأذن رئيس تيار المستقبل ​سعد الحريري​ بأنه يمكن أن يكون من أبرز المستفيدين منه إن استقال وتبنّى المطالب، وكانت الإشارات في البداية توحي بنجاحه، وتحديداً في الشارع السني في الشمال وبيروت والبقاع، وكان الهدف "إستعادة جزء لا بأس به من شارعه الذي خسره في السنوات الماضية"، وعليه فهو باشر بإستخدام خطاب الثورة وتحريك الشارع، وحاول قياديو "المستقبل" الإيحاء وكأن الحريري يقود الثورة في الشارع السني.

لكن الواقع على الأرض كان مختلفاً، والحريري الذي إستطاع تحييد نفسه عن هجوم شارع "الثورة" في الأيام الأولى صار المستهدف الأول فيها، إذ ليس كل ما يظهر على شاشة التلفزة يمثّل حقيقة الشارع والرأي العام.

مع بداية الحراك نجح رئيس الحكومة المستقيل بتحييد نفسه عن هجوم الناس بالشارع، حتى بات البعض يتساءل عن سبب ذلك، ولكنّه ببساطة كان امتناعه عن التصاريح السياسية التي تستفزّ الناس، وغياب مناصريه عن أي أعمال فيها ردّات فعل سلبية تجاه الحراك، وتمكن أيضا من جذب التعاطف معه عندما قدّم استقالته من رئاسة الحكومة، وأعلن رفضه تشكيل أي حكومة يتواجد فيها سياسيون. ولكن بعد أن اعتقد المستقبليون أن زعيمهم بات قائدا لـ"الثورة"، حاولوا استمالتها لمصلحتهم.

هناك، في بيت الوسط من ينقل للحريري أحلام لا وقائع، أخبروه أنه بات زعيما ثوريا وأن "الثورة" تطالب بعودته الى رئاسة الحكومة، وأن الشارع الرافض لحسان دياب كرئيس حكومة مكلّف لا يريد سوى "تكحيل" عينيه برؤية الحريري زعيما في السراي الحكومي، لذلك باتت تحركات مناصري "المستقبل" علنية أكثر، في بيروت وطرابلس، تحرك هؤلاء تحت شعار أنهم مع "الثورة" ولكن لن يسمحوا باستضعاف طائفتهم، فأظهروا بذلك وكأن الحراك لا يزال طائفيا وأن "الثوار" يريدون الحريري رئيسا للحكومة.

إن هذه التصرفات أشعلت غضب "أبناء" الحراك الحقيقي، من كل الطوائف، وهذه المرّة لم يُصبّ الغضب الا على رئيس الحكومة المستقيل، وبعد أن كان قد حيّد نفسه ها هو اليوم هدف المتظاهرين الأول، لأنه سمح لخصوم "الثورة" بالتصويب عليها من باب السياسة، وثبّت بتحركات مناصريه الاتّهامات التي كانت تُوجه لحراك طرابلس مثلا بأنه مسيّس، لذلك بدأت أصوات الشارع في طرابلس ترتفع باتجاهين، الأول ضد سعد الحريري، والثاني ضد "مدّعي" صفة "الثوار" من جمهور تيار المستقبل في المدينة، خصوصا وأن هؤلاء الذين ينفذون أجندة سياسية أمام منزل رئيس الحكومة المكلّف حسان دياب لم يعودوا ثوارا.

لم يتمكن الحريري من الحفاظ على أيّ مكتسب، لا في السياسة حيث أوصله "دَلَعه" السياسي الى غرفة مظلمة وجد نفسه فيها وحيدا، فلا حلفاء الماضي الى جانبه، ولا خصوم الأمس الذين تمسّكوا به اليوم استمرّوا بتمسكهم به، ولا الحراك في الشارع ظل متعاطفا معه، خصوصا أن الثوار باتوا على قناعة بأنّ الحريري هو أكثر من حاول سرقة الثورة ومعها أحلامهم ومطالبهم، وهو أكثر من سيّس النشاطات والتحرّكات، وهو أكثر من شوّه "الصورة" الجامعة التي طغت على مجمل المشهد العام في لبنان مع بداية المظاهرات في الشارع.

خسر الحريري كل شيء، فلجأ الى التقوقع المذهبي، وحاول استنهاض أبناء الطائفة، ولكنه فَشِل حتى اللحظة بتحقيق هذا الأمر، خصوصا أنّ في صيدا وبيروت وطرابلس لا تزال كلمة "الثوار" هي الأقوى رغم الأصوات المستقبليّة التي تنبع من هنا وهناك.

ببساطة يمكن القول أن الحريري تحوّل من رابح محتمل مع بداية التحرّكات الى خاسر أكيد اليوم، فهل يعود الى لبنان من غربته بعقليّة جديدة، أم سيستمر بسياسة "التقدم الى الخلف"؟.