صحيح أن العلاقات الروسية-ال​إسرائيل​ية قائمة على مصالح صلبة، وأن ​موسكو​ البوتينية لا تكرّر ما فعله ​الإتحاد السوفياتي​ في الإقليم، رغم التمدد الروسي المتواصل. لكن تصرف الروس في ​سوريا​ عاكس ​السياسة​ الإسرائيلية، وصارت تخشى ​تل أبيب​ من تمدد نفوذ موسكو الى ​لبنان​ ان يأتي على حساب مطامعها التاريخيّة ومصالحها الحالية.

يوحي الإسرائيليون أنّ الرئيس الروسي ​فلاديمير بوتين​ يريد أن "يكون لبنان تحت نفوذ ​روسيا​ كإستمرار لنفوذها الإقليمي وتثبيت مصالحها المستقبلية في سوريا". لذلك، كان تركيز ​الصحافة​ العبرية على إنتقاد أيّ دور روسي محتمل في لبنان، بإعتبار أن بوتين يرتبط بعلاقات جيّدة مع ​إيران​، ولا يجد مشكلة في التعامل مع "​حزب الله​" لأنّه فريق سياسي لبناني مع ​ممثلين​ في ​المجلس النيابي​. وهنا يكمن إنزعاج الإسرائيليين من سياسات بوتين، ووجهوا له رسائل غير مباشرة عبر الصحافة العبريّة حذّرته من الدخول الى "الوحل اللبناني".

ويبدو انّ تلّ أبيب منزعجة من ​منظومة​ الدفاع الجوي التي بسطها الروس في سوريا، وتعتبر ان بوتين يهدف لإقناع لبنان بأن تحمي تلك المنظومة السماء اللبنانية من أيّ خرق او إعتداء. واذا كان الإسرائيليون يعتبرون أنّ تلك المنظومة لم تمنعهم من توجيه ضربات لسوريا، الاّ أن طائراتهم لم تدخل الأجواء اللبنانية، بل تمركزت فوق لبنان خلال ضربات لمواقع وأهداف سوريّة في السنوات الماضية. فهل إدخال لبنان في منظومة الحماية الروسية سيمنع خرق إسرائيل لسيادة لبنان؟ أم أنّ إدخال الأجواء اللبنانية في تلك المساحة هو لأغراض عملياتية في سوريا؟.

يستند الإسرائيليون الى اهتمام الروس بلبنان، ويقولون أن موسكو "معنية بإستغلال ميناء ​بيروت​ للمعالجة والتوريد لسفن اسطولها البحري في ​البحر المتوسط​"، رغم أن الاتفاقات الروسية-السورية تتيح لموسكو استخدام شواطئ وموانئ ​طرطوس​ و​اللاذقية​.

يرصد الإسرائيليون نشاطاً روسياً بشأن لبنان، ويرون ان بوتين "يدفع بتطلعاته الى الامام في المجال الاجتماعي–الديني في لبنان ويوثّق العلاقة مع الكنيسة الارثوذكسيّة لإقناع الجمهور بفضائل النفوذ الروسي. كما أنّ بوتين يستخدم اتّحاد الطلاّب، من خريجي ​الجامعات​ الروسيّة، والذي يجمع نحو 20 الف خريج، بانهم سيشقون طريقهم الى قمة السلطة".

لم يُرصد هذا التوجه في بيروت، فكيف استطاعت الصحافة الإسرائيليّة الحصول على معلومات بشأنه؟ ولماذا تثير هذه العناوين قبل زيارة بوتين الى تل أبيب؟ ثمة نقاش طويل سيفتحه الإسرائيليون مع الرئيس الروسي: ماذا تريد في لبنان؟ قد يطلبون منه أن يحمل ضمانة ​الأمن​ على الحدود الجنوبيّة اللبنانيّة، وخصوصاً أن المنطقة تستعد لترسيم حدودي مطروح وإستثمارات غازيّة ونفطيّة ضخمة. ستكون تلك المشاريع عنوان بحث مطوّل بين الروس والإسرائيليين، إنطلاقاً من "ان شركة ​الغاز​ "نوبتك" الروسيّة الخاصة ربحت في عام 2018 الامتياز للتنقيب عن الغاز في البحر المتوسط، في المنطقة موضع الخلاف بين ​اسرائيل​ ولبنان". لكن تل أبيب توحي بأنّ موسكو تنحاز الى جانب لبنان، بعدما تلقّت شركة ​النفط​ الروسية "روزنفط" الحكوميّة الامتياز بادارة مصافي النفط في ​مدينة طرابلس​ اللبنانيّة لمدة 20 سنة.

بالنسبة للإسرائيليين، كل الاحتمالات واردة بالنسبة لموقف روسيا، الى حدّ انهم اشاروا الى ما ذكره كتاب بوريس دولين: "سور ​السويس​"، بأنّ اسرائيل و​الاتحاد السوفياتي​ "اصطدمتا عسكريّا على اراضي مصر في حرب الاستنزاف وقد ابقي هذا لسنوات بعيدا عن علم الجمهور. وهو يدّعي انّ هذا حصل أساسا لان اسرائيل لم تفهم المصلحة السوفياتيّة في مصر، والتي هي اوسع من النزاع العربي–الاسرائيلي".

فهل ان إسرائيل الآن لا تفهم المصلحة الروسيّة في بلاد ​الشام​؟ نعم التاريخ يكرر نفسه. اثبتت ذلك زيارة بوتين الى دمشق، وما حملتها من دلالات. لكنّ الأمر لن يصل الى احتكاكات روسية-إسرائيليّة بشأن لبنان، لأن موسكو ستكرّر وقائع المحطّة السوريّة: حماية ​الجيش السوري​ ومصالح روسيا، من دون التدخّل بشأن إستهداف مراكز أخرى.