على رُغم تداعيَّات الأَوضاع على السَّاحة اللُّبنانيَّة الآن، وكُلِّ الظُّروف السَّيِّئة في كُلِّ المَجالات... يبقى من حقِّ المُتلقِّي على وسائل الإِعلام المُختلِفة، وبِخاصَّةٍ المرئيَّة والمسموعة، أَنْ تُقدِّم مادَّةً إِعلاميَّةً خاليةً من الـ"فيروسات" الخُماسيَّةِ، وعنينا بها: التَّحريض والتَّهويل والتَّيئيس والابتذال والافتراء... وقد تكون هذه "الفيروسات"، مِن أَكثر ما ينبغي على الإِعلام اللُّبنانيِّ تحصين نفسه منها، إِيذانًا بِتأْدية دورٍ إِبلاغيٍّ وطنيٍّ، يُجنّب الوطن المزيد من الخضَّات، كما ويكبح انحداره أَكثر. فما هو خطر هذه "الفيروسات" في النَّسيج الوطنيِّ لأَيِّ دولةٍ؟ وكيف تمَّ التَّعامُل معها في ضوء التَّجارب الإِقليميَّة؟.

التَّحريض

ظاهرة التَّحريض في ​سوريا​، غالبًا ما كانت تُصاحبها عمليَّاتٌ عسكريَّةٌ واقتتالٌ داخليٌّ... وأمَّا في ​فلسطين​، فقد أَصدر "المركز العربيُّ للحُرِّيَّات الإِعلاميَّة والتَّنمية والبُحوث، في كانون الثَّاني الماضي، تقريرًا شاملًا يرصد خطاب التَّحريض والعُنصريَّة في الإِعلام الإِسرائيليِّ، ضدّ كُلِّ شرائح المُجتمع الفلسطينيِّ...

وتضمَّن التَّقرير رصدًا للصِّحافة المكتوبة، والمرئيَّة، والمسموعة، إِضافةً إِلى تعقُّب صفحات سياسيِّين وإِعلاميِّين إِسرائيليِّين على مواقع التَّواصل الإجتماعيّ ("​فيسبوك​" و"​تويتر​")... وتم رصد 778 حالة تحريض وعُنصريَّة ضدّ المُجتمع الفلسطينيِّ. كما ويتبيَّن من النَّتائج، أَنّ نسبة التَّحريض الأَعلى وجدت على صفحات "فيسبوك"، لأَعضاء برلمان ووزراء إِسرائيليِّين وصحافيِّين بنسبة 33 في المئة، تليها وبفارق كبير صحيفة "يسرائيل هيوم" بنسبة 11 في المئة، ومِن ثَمَّ كلٌّ من صحيفة "معاريف" وشبكة "تويتر" بنسبة 8 في المئة...

وكذلك تبيَّن مِن النَّتائج أَنَّ الجهة الأَكثر استهدافًا للتَّحريض في الإِعلام الإِسرائيليِّ لهذا العام هي أَعضاء البرلمان العرب مِن القائمة المُشتركة بنسبة 21 في المئة، يليها المجتمع الفلسطينيُّ كشريحةٍ واحدةٍ بنسبة 19 في المئة، فالسُّلطة الفلسطينيَّة بنسبة 18 في المئة...

وتطرَّق التَّقرير أَيضًا، إِلى نوعيَّة التَّحريض المُتَّبعة في المقالات والتَّقارير الاخباريَّة المُتنوِّعة؛ وبعضها يُشرعن العُقوبات الجماعيَّة واستعمال القُوَّة ضدّ الفلسطينيِّين، وبعضُها الآخر "يُشيطن" الفلسطينيِّين ويستعمِل أُسلوب التَّعميم، وثمَّة مقالاتٌ تقوم بنزع الشَّرعيَّة عن الفلسطينيِّين وقياداتهم... وبعض المقالات تبرز فيها الفوقيَّة العُرقيَّة اليهوديَّة، ويُستخدَم فيها خطاب العُنصريَّة وتصوير إِسرائيل في دور الضَّحيِّة... وجديرٌ بِالذِّكر، أنَّ غالبيَّة المقالات تحتوي على أَكثر من نوعٍ واحدٍ من التَّحريضِ في المقالة نفسها.

وإلى التَّجربة العراقيّة، حيثُ بات يُنظر إِلى التَّحريض الإِعلاميِّ على اعتباره مِن أَبرز الظَّواهر الَّتي ازداد خطرها ليس على الصَّعيد المحليِّ وحسب، بل وفي ​العالم​ كلِّه، ما حوَّل التَّحريض ظاهرةً تستحقُّ الدِّراسة... وهذا ما استدعى بالتَّالي الإِجابة عن عددٍ من الأَسئلة وأَبرزها:

*ما هي القنوات الفضائيَّة العراقيَّة الأَكثر مُشاهدةً من الإِعلاميِّين كمصادرَ للمعلومات؟.

*ما هي القنوات الأَكثر تحريضًا على العُنف ودرجة التَّحريض؟.

*ما هي أَبرز مظاهر موضوعات التَّحريض على العُنف؟ وأَساليبه؟ واتِّجاهاته؟.

*ماهي جِهات التَّحريض على العُنف؟، وما هي مصادر توجيهه؟.

وأَمَّا أَهداف الدِّراسة العراقيَّة، فتمثَّلت في:

*تحديد الموضوعات الأَبرز تناولاً في التَّحريض على ​العنف​؟.

*معرفة أَنواع التَّحريض والأَساليب الَّتي تُمارسها تلك الفضائيَّات، لإِشاعة العُنف والكراهية.

التَّهويل

ويقوم التَّهويل الإِعلاميّ على تناقُل الأَخبار المُبالغ بها أَو المَغلوطة، في مُحاولةٍ رُبَّما لِخلط الأَوراق على الشَّعب وإِشغال الرَّأْي العامِّ بِأَوهامٍ وأَحلامٍ هي من صنيعة "الإِعلام المأْجور"، الَّذي يُحاول أَنْ يُزعزع النُّفوس ويَزرع الخوف تحت مُسمَّى "السَّبق الإِعلاميّ" واستقطاب الجُمهور بِشتى الأَساليب والوسائِل... واستخدام "سلاح الإِشاعات" وتَهويل الأَحداث ليس بجديدٍ، حيثُ كان وما زال واحدًا من أَخطر الأَسلحة، وبخاصَّةٍ في ظلِّ غياب الوعي الكافي بين أَفراد المُجتمع، الَّذي يَتفاعل مع إِشاعات من هُنا وأَكاذيب مِن هُناك.

والتَّرويج للإِشاعات وتَضخيم الأَحداث يهدفان إِلى ضرب أَهدافٍ عدَّةٍ في آنٍ واحد، وأَهمُّها تَسويق الخوف لِزعزعة النُّفوس وإِرباك المشهد ورسم صورةٍ ظلاميَّةٍ عمَّا يحدث في الدَّاخل، تمهيدًا لِضرب مَصالح البلاد الوطنيَّة من خلالها، وإيصال صورةٍ مُظلمةٍ إِلى من هُم في الخارج، من مُراقبين ومُستثمرين وشركات في شكلٍ عامٍّ، لكي يُجبروهم على إِعادة حساباتهم وتَغيير إنطباعاتهم، مُعتمدين على عناوين وصورٍ بعضها مُفبركٌ والبعض الآخر مُبالغٌ به ومُضخَّمٌ...

التَّيئيس

وأَمَّا خطاب التَّيئيس، فيُؤَدِّي إِلى إِحباط النَّاس، وذلك نقيض أَن يكونوا مُتفائِلين ومُتأَمِّلين خيرًا. وفي الأَزمة اللُّبنانيَّة الرَّاهنة، لا يسع أَحدًا أَن يتحدَّث عن حياةٍ زهريَّةٍ، غير أَنَّ تيئيس النَّاس يقوم على سدِّ أَيِّ نافذة أَملٍ، فيما من المعروف عن اللُّبنانيِّ ذكاؤُه في اجتراح الحُلول لأَيِّ أَزمةٍ قد يتعرَّض لها لُبنان...

واليأْس هو شعورٌ يُصيب المرء كدليلٍ على فقدان الأَمل في ​تحقيق​ أَمرٍ ما، وقد يُؤَدِّي إِلى تحريك مشاعر وعواطف أُخرى مثل ​الاكتئاب​ والإِحباط. وأَشدُّ اليأْس يُسمَّى قنوطًا... كما وقد يُصبح اليأْس حالةً نفسيَّةً فكريَّةً مُعتادةً، تتسلَّل إِلى التَّفكير والسُّلوك، وحينئذٍ تُصبح ظاهرةً يُراد منها خلخلة البُنية الاجتماعيَّة، وإِضعاف أَو تشويه البُنية الفكريَّة، وإِذَّاك، سيسهل التَّعامل مع الفرد، وضمُّه إِلى أَدوات التَّخريب المُتراكم... وكلَّما ازداد عدد اليائسين، فستكون البُنيتان الفكريَّة والاجتماعيَّة تحت سطوة ذوي المآرب المُعادية!.

وللحديث صلة...