"مصائب قومٍ عند قومٍ فوائد"...

قد لا ينطبق بيت الشِّعر الشهير هذا، للوهلة الأولى ومن حيث المبدأ، على "مصيبة" الكورونا المنتشرة هذه الأيام حول العالم، والتي لا يبدو أنّها توفّر أحداً، ولو أوقعها البعض في فخّ "التسييس"، وذهب البعض الآخر في مقاربتها إلى حدّ تبنّي "نظرية المؤامرة"، بعيداً عن مُعطيات الواقع والعلم، وما أكثرها.

لكن، وبعيداً عن المبدأ، ومن خلفها "المؤامرات" وما تخبّئه بين طيّاتها، لا يبدو مُبالَغاً به برأي الكثيرين، الحديث عن "فوائد" جنتها الحكومة ال​لبنان​ية من خلف "مصيبة" الكورونا، على رغم التحدّيات الصعبة التي اصطدمت بها، والتي أضيفت إلى حِملٍ "ثقيلٍ" ورثته من سابقاتها، وخصوصاً على المستوى الاقتصاديّ.

المعارضة... "جُمّدت"؟!

مع أنّ الحكومة وجدت نفسها في قلب أزمةٍ لم تتحضّر لها مسبقاً، وقد تكون الأخطر في تاريخ لبنان الحديث، وعلى رغم كثرة "الانتقادات" التي وُجّهت إليها من كلّ حدبٍ وصوب، على خلفيّة التعامل مع الفيروس المنتشر عالمياً، إلا أنّ ثمّة من يرى في الموازاة، "فوائد" حقّقتها الحكومة، قد يكون على رأسها "تراجع" زخم المعارضة السياسيّة والشعبيّة التي كاد رئيس الحكومة حسّان دياب يرفع العشرة أمامها، بحديثه الشهير عن "أوركسترا".

فإذا كانت المعارضة السياسية، التي قصدها دياب بانتقاداته المُعلَنة، حافظت على مستوى "تغريدها عكس التيّار"، من خلال توظيف أزمة "كورونا" نفسها في خضمّ الخصومة السياسية مع الحكومة وعرّابيها، فإنّ ثمّة من يرى أنّ هذه المعارضة، ولو اتخذت شكلاً "شعبوياً" في بعض الأحيان، إلا أنّها بقيت محدودة منطقياً، باعتبار أنّ الأساس بالنسبة إلى المواطنين، كان تغليب المواجهة، بعيداً عن "السباق" على تسجيل النقاط من هنا وهناك.

وقد يكون خير دليلٍ على ذلك أنّ بعض هذه المعارضة اختار "الانكفاء" عن سابق تصوّر وتصميم، لإدراكه أنّ كلّ شجون السياسة لم تعد تعني شيئاً للناس، وأنّ الأولوية اليوم التي لا يعلو عليها شيءٌ آخر، تتعلق بمكافحة الوباء أولاً وأخيراً، وهو ما يمكن قراءته مثلاً من خلف سطور "تغريدات" رئيس "​الحزب التقدمي الاشتراكي​" النائب السابق ​وليد جنبلاط​ مثلاً، والذي لم يتردّد في الدعوة إلى "التضامن" لمواجهة هذه المحنة، ولو غلّفه تحت شعارٍ "إنسانيّ"، وهو ما لم يعد خافياً على أحد أنّه بات ضرورياً وجوهرياً في هذه المرحلة.

وعلى خطى المعارضة السياسيّة، سارت تلك الشعبيّة إذا جاز التعبير، مع "تغييب" شرارة "الثورة"، إن جاز التعبير، ولو أنّ أسهمها كانت تراجعت نسبياً، منذ انقسمت بعض مجموعاتها حول مبدأ "الفرصة" التي ينبغي أن تُعطى للحكومة بعيد تشكيلها، إذ إنّ كثيرين كانوا يعتقدون بأنّ الشوارع ستمتلئ من جديد لتشكّل "ضغطاً" على الحكومة، بعدما أعلن رئيسها "تخلّف" لبنان عن سداد مستحقات "اليوروبوند"، وتوازياً مع ما كان يُحكى عن خطّة اقتصاديّة سيكشف النقاب عنها، لن تكون الضرائب ببعيدة عنها.

إلى العمل!

ليس مُبالَغاً به على الإطلاق القول إنّ مصيبة "كورونا" جمّدت، في طريقها، تحرّكات الشارع التي كان يمكن أن تستعيد زخمها في الفترة الأخيرة، على أكثر من خطّ، بدءاً من الموضوع الاقتصادي والاجتماعي، توازياً مع "بطء" إجراءات الحكومة في هذا الإطار، على رغم تجاوز ما كانت تُصنَّف على أنّها "خطوط حمراء"، وصولاً إلى "الفرملة" التي تتعرّض لها التشكيلات القضائيّة بشكلٍ أو بآخر، علماً أن ثمّة من يقول إنّ قضية إطلاق ​عامر الفاخوري​ مثلاً لم تكن لتمرّ كما حصل، لولا الظروف "المناسبة" التي تمّت خلالها.

ولكن، أبعد من "الجمود" في الشارع، والذي يؤكد كلّ المعنيّين أنه يبقى "مؤقتاً" و"قسرياً"، فإنّ المطلوب من الحكومة قد يكون، عوض "النوم على حرير"، الاستفادة من هذه "الفرصة الذهبية"، من أجل تطبيق شعار "العمل" على أرض الواقع، وذلك لا يتمّ فقط بتكثيف الاجتماعات ظاهرياً، ولا بإطلاق المزيد من الوعود، بل باتخاذ إجراءاتٍ فعليّة وملموسة على أرض الواقع، تدلّ على نيّةٍ جدّية بـ "الإصلاح"، الذي يبقى حبراً على ورق حتى إشعارٍ آخر.

وإذا كان ثمّة من قرأ في الخطاب الأخير للأمين العام لـ"حزب الله" ​السيد حسن نصر الله​، ما يشبه "الضوء الأخضر" للحكومة لتشرع في أيّ إجراءاتٍ تجدها مناسبة، ولو تطلّبت التعاون مع "​صندوق النقد الدولي​"، بخلاف ما أوحى به بعض قياديّي الحزب سابقاً بوجود "فيتو" على مثل هذا التعاون، فإنّ "بيت القصيد" في هذا السياق يكمن في مدى "استسهال" الحكومة لفرض خطّة اقتصاديّة قائمة على "الضرائب"، ولو أتت باقتراح الصندوق، خصوصاً أنّ ثمّة في البلد من يقول إنّ الفرصة "ذهبية" ليفرض الحُكّام ما يشاؤون من ضرائب، وهم يضمنون غياب أيّ تحرّكاتٍ مضادّة يمكن أن تشوّش عليهم، بفعل "التعبئة العامة".

وفي وقتٍ تشير التسريبات المتداولة إلى أنّ الخطة الاقتصادية لن تُعلن قبل مطلع أيار، بخلاف ما كان رائجاً عن إمكان كشف النقاب عنها توازياً مع إعلان "التعثّر" أخيراً، فإنّ الأكيد أنّ ما "ينقذ" الحكومة على المدى الطويل لن يكون سوى خطة "إنقاذيّة" بكلّ ما للكلمة من معنى، و"الإنقاذ" هذا لا يعني الحكومة نفسها، بل البلد بأسره، وبالتالي فهو يقتضي تغليب مصلحة المواطنين على نهج المحاصصة والفساد، بحيث ينطلق إلزامياً من معالجة مكامن الهدر في المؤسسات، ووضع آليات شفّافة وواضحة ل​مكافحة الفساد​، وضرورة استعادة الأموال المنهوبة.

"تعبئة عامة"

لا شكّ أنّ الحديث بالمُطلَق عن "فوائد" تجنيها الحكومة من "مصيبة" كورونا يبدو مَجازيّاً أكثر منه واقعياً، باعتبار أنّ مكافحة الوباء يجب أن تشكّل الأولوية اليوم، وأنّ الخشية من "المحظور" على خطها، تعلو على كلّ المكاسب الآنية، التي لا يعود لها أيّ معنى، متى وقعت "الكارثة".

لكن، مع ذلك، قد يكون مجدياً أن تستغلّ الحكومة "فرصة" التعبئة العامة التي أعلنتها على الشعب، لتفرض على نفسها "تعبئة عامة" من نوع آخر، عنوانها السباق مع الوقت للإنجاز، وتحقيق ما لن يكون من اليسير إنجازه على وقع الضغط الشعبيّ والسياسيّ، شرط أن يكون منسجماً مع ما وعدت هي بتنفيذه.

الوقت لمحاربة الكورونا، شاغل الدنيا والناس، صحيح، لكنّه لا يجب أن يلهي الناس عن الوباء الذي يبقى أخطر عليهم من كلّ أنواع الفيروسات، ألا وهو الفساد...