أصدر حاكم ​مصرف لبنان​ ​رياض سلامة​ تعميمين جديدين(1)، فما الهدف منهما؟ وهل من قرارات أخرى ستصدر في المُستقبل القريب، وأي فئة من المُودعين ستستهدف، ولأيّ غرض؟.

بالنسبة إلى القرار الأخير لحاكم مصرف لبنان، والذي أتاح للمُودعين الذين يملكون حسابات مصرفيّة لا تتجاوز قيمتها الثلاثة آلاف دولار، سحب قيمتها كاملة ب​الليرة​ اللبنانيّة وفق سعر السوق، وللمُودعين الذين يملكون حسابات مصرفيّة لا تتجاوز قيمتها الخمسة ملايين ليرة لبنانية تحويلها إلى ​الدولار​ وفق السعر الرسمي، ومن ثمّ سحبها بالليرة اللبنانيّة وفق السعر المُتداول في السوق، فهو يرمي إلى تحقيق سلسلة من الأهداف، أبرزها:

أوّلاً: التخلّص من الازدحام على أبواب المصَارف وداخلها، من قبل مالكي حسابات لا تُقدّم ولا تؤخّر في رأس مال هذه ​المصارف​،وبالتالي إخراج المُودعين الصغار من النظام المَصرفي ككلّ، بإعتبار أنّ عمليّة سحب الأموال يجب أن تتمّ دفعة واحدة،خلال مهلة ثلاثة أشهر مُحدّدة بالقرار، من دون توفّر الحقّ للمُودع بالإستفادة مرّتين من هذا الأجراء، ما يعني عمليًّا إقفال هذه الحسابات. إشارة إلى أنّ 1,715,000 ​حساب مصرفي​ يتضمّن مبالغ مَعنيّة بهذا التعميم الجديد، لكنّ جزءًا منها يَعود إلى حسابات توطين رواتب، وبالتالي لن يُقدِم أصحابها على إقفالها.

ثانيًا: التخلّص من فئة من المُودعين تُعتبر الأكثر حاجة إلى سحب أموالها-على محدوديّة قيمتها، ما قد يُجنّب المصارف الكثير من المشاكل حاليًا، وكذلك في المُستقبل، في حال إصدار تعاميم جديدة أشدّ قساوة بحق المُودعين!.

ثالثًا: تشجيع المُواطنين على التخلّي عن دولاراتهم، عبر إغراء الكسب المُرتفع بالعملة الوطنيّة، علمًا أنّ مصرف لبنان سيتولّى دفع الفارق بين السعر الرسمي للدولار عند 1515 ليرة لبنانية، وسعر السوق الذي كاد يلامس ضعف هذا الرقم بالأمس القريب. والهدف تأمين دولارات جديدة للمصرف المركزي، ولوّ من الداخل اللبناني. لكن في المُقابل، تُوجد خشية من حُصول مزيد من الإنهيار في سعر العملة الوطنيّة، ومن تراجع الثقة أكثر فأكثر بالليرة اللبنانيّة، الأمر الذي الذي قد يُعرّض السوق الداخليلتضخّم كبير، ويُعرّض لبنان بالتالي لارتفاع إضافي في الأسعار!.

رابعًا: تحضير الأجواء للقيام بخطوة مُماثلة، ستطال شرائح جديدة من المُودعين. وفي هذا السياق، تُوجد معلومات شبه أكيدة أنّ مصرف لبنان، وبعد تنفيذ تعميميه الأخيرين، وتقييم النتائج التي ستترتّب عنهما، سيلجأ إلى إصدار تعاميم جديدة مُشابهة، تُكّرّر الخطوة نفسها، لكن مع رفع رقم الودائع إلى حدود 10 ملايين أو6 آلاف دولار كحدّ أقصى، وربما إلى أكثر من ذلك، وتحديدًا إلى 15 مليون ليرة و 9 آلاف دولار أميركي، كحدّ أقصى! وعندها تُصبح الساحة المصرفيّة-إذا جاز التعبير، جاهزة لتلقّف قرارات مُستقبليّة قاسية، على غرار تشريع منع التصرّف بالودائع (المعروف بإسم Capital Control)، لكل باقي المُودعين، وربما أيضًا وفي مرحلة مُستقبليّة أبعد لتنفيذ عمليّة شطب جزئي من قيمة الودائع (المعروف بإسم Haircut)، وذلك لأصحاب الودائع الماليّة الكبيرة، والتي تزيد عن مليون دولار أميركي.

من جهة أخرى، وبالنسبة إلى القرار الأخير لحاكم مصرف لبنان، والذي قضى بإنشاء وحدة خاصة في مديريّة العمليّات النقديّة في ​المصرف المركزي​، تتولّى التداول بالعملات الأجنبيّة النقديّة، وخُصوصًا بالدولار الأميركي وفقًا لسعر السوق، عن طريق إنشاء منصّة إلكترونيّة، فأبرز أهدافه:

أوّلاً: الإلتفاف على الصيارفة، لا سيّما غير الشرعيّين منهم، وتوحيد عمليّة الصرف نسبيًا، وذلك بغية إعادة السيطرة على سعر العملات الأجنبيّة لصالح المصرف المركزي مُجدّدًا. لكنّ الثغرات ستبقى قائمة، ويتوقّع بعض الخُبراء إستمرار الفارق في سعر الصرف، إلا في حال قدّم مصرف لبنان أسعار صرف مُغرية للناس، ما يعني عمليًا تحرير سعر الصرف، وتركه من دون أيّ ضوابط!.

ثانيًا: الإلتفاف على المُطالبات المُتزايدة بضرورة مُواجهة إنفلات أسعار صرف العُملات لدى الصيارفة، من خلال مُحاولة توحيد هذه العمليّات، ومنحها الصبغة القانونيّة.

ثالثًا: تحضير الأرضيّة المُناسبة للتصرّف بالأموال الجديدة التي ستؤمّنها إجراءات بيع العملات النقديّة الأجنبيّة، وخُصوصًا الدولار الأميركي، من قبل صغار المُودعين، وتوظيفها لتمويل حاجات الإقتصاد الوطني، وتحديدًا لإستيراد السلع الحيويّة، مثل الطحين والأدوية والمُشتقّات النفطيّة، إلخ.

في الخُلاصة، قد يبدو ظاهريًا أنّ التعميمين الأخيرين يصبّان في صالح المُودعين الصغار، وهذا أمر حقيقي، لكنّ الأهداف الفعليّة التي تقف خلف هذين القرارين، مُتعدّدة وأعمق بكثير. والأخطر أنّ قرارات وتعاميم أخرى ستشقّ طريقها خلال الأسابيع والأشهر القليلة المُقبلة-على الأرجح، وذلك لتأمين المزيد من الدولارات لصالح المصرف المركزي، من أموال المُودعين أنفسهم، ولتهيئة الظُروف لتنظيم إجراءات المصَارف الحالية بحقّ المُودعين!.

(1) الأوّل حمل الرقم 13215 ويتضمّن إجراءات إستثنائيّة بشأن السُحوبات النقديّة من الحسابات الصغيرة لدى المصارف، والثاني حمل الرقم 13216 ويتناول عمليّة شراء مصرف لبنان للعملات النقديّة الأجنبيّة.