منذُ بَدءِ الخَليقَةِ والإنسانُ في صِراعٍ مَعَ المَوت. وقد بَلَغَتِ الاختِراعاتُ العِلميَّةُ والتّكنولوجيَّةُ مَراحِلَ مُتقدِّمَةً جدًّا ومُدهِشَة، وذَهبتِ الوِكالاتُ الفَضائِيَّةُ إلى اكتِشافِ الكَواكِبِ والمَجرَّاتِ، وتَمَّ الغَوصُ في عُمقِ المُحيطاتِ، ولكِن بَقِيَ السُّؤالُ مَطرُوحًا بِقُوَّةٍ: مَاذا بَعدَ المَوت؟.

أُعطِيناالإجَابَةَ عن هذا السُّؤالِ مُنذُ زَمَنٍ بَعيد، ولكِن ما زالَ العَديدُونَ يَطرَحُونَ السُّؤالَ عينَهُ؟ لا بَل هُناكَ مَن يَقُول: ليش مِين راح وخَبَّر؟.

يُوجَدُ مَن راحَ وعَبَرَ وخَبَّر: الرَّبُّ يَسوعُ المَسيح. لا بَل قَالَ لَنا "أَنَا أَمْضِي لأُعِدَّ لَكُمْ مَكَانًا" (يوحنا ٢:١٤).إذًا نحنُ لا نَعرٍفُ الجوابَ وَحَسب، لا بَل لَنا مَكانٌ مُعَدٌّ أيضًا.

نَحتَفِلُ بِالقِيامَةِ هَاتِفينَ: المَسيحُ قَام، ولَكِن هَل قُمنَا نحنُ مَعَهُ؟ هَل قَبِلْنا أن يُمسِكَ الرَّبُّ بِيَدِنَا وينتِشِلَنَا مِن قَبرِ خَطايَانا؟.

الفِصحُ هُوَ عُبورٌ مِن حَالَةِ المَوتِ إلى حَالَةِ الحَياة. كُثُرٌ هُم أَحياءُ بِالجَسَدِ ولَكِنَّهُم مَائِتونَ بِالرُّوح، والعَكسُ صَحيح. ما دامَ الإنسانُ قَابِعًا في ظِلالِ سَقطَاتِهِ يَبقَى مُجَرَّدَ جَسدٍ يَتحَرَّكُ دُونَ حَياةٍ تَرفَعُهُ إلى العُلى. فإنْ نَطَقَ يَنطقُ بِالعَفَن، وإنْ عَمِلَ يُخَرِّب، لِأنَّهُ أَليفُ الظُّلمَةِ وغَريبٌ عَنِ النُّور.

في صَلاةِ سَحَرِ الفِصحِ قَبلَ القُدّاسِ الإلَهِيِّ يَقِفُ الكَاهِنُ أمَامَ البَابِ المُلوكيِّ حَامِلًا شَمعَةً مُضاءَةً ويَقُولُ بِصَوتٍ جَهْوَريّ: "هَلُمُّوا خُذُوا نُورًا مِنَ النُّورِ الّذي لا يَعرُوهُ مَساءٌ، ومَجِّدُوا المَسيحَ القائمَ مِن بَينِ الأَموات". هُنا جَوهَرُ العِيد، أن نَأخُذَ هَذا النُّورَ الّذي لا يَعرُوهُ ظَلام.

نَحنُ أبنَاءُ النُّورِ، وأَتَينَا مِنَ النُّورِ، وسَنَرجِعُ إلى النُّور. نَحنُ مَشرُوعُ قَداسَةٍ لِيَفرَحَ اللهُ بِنا، لا لِنَكُونَ عَبِيدًا بِيَدِ عَدُوِّ الإنسانِ أَي إبليس.

وَالقِيامَةُ غَلبَةُ الغَالِبِ وَالمُنتَصِرِ الّذي هُوَ الرَّبُّ يَسُوعُ المَسيح، ونَحنُ بِهِ غَالِبُون. فَمَنِ اجتَازَ ضُعفَ المَوتِ والخَوفَ مِنهُ قَامَ مِنَ الآن. هَذا لَيسَ بِالأَمرِ المُستَحيل، بَل هُوَ يَقِينٌ وحَقِيقَة، وإن بَقِيَ بِالضُّعفِ البَشَرِيّ خِشيَةٌ مَا. هَذا طَبيعِيٌّ، ولَكِن مَنِ التَصَقَ بِنُورِ القِيامَةِ مَرَّتِ الظُّلمَةُ بِجانِبهِ ورَحَلَت.

قَهقَهَ الشَّيطانُ لِبُرهَةٍ عِندَما ابتَلَعَ يَسوعَ بِالجَسدِ بَعدَ مَوتِهِ عَلى الصَّليبِ، وقَالَ لَهُ مَغشُوشًا بِأَعلى صَوتِهِ مُستَهزِئًا: "أَنتَ أيضًا تَمُوت". تَعالَ، إنِّي بِانتِظَارِكَ مُنذُ زَمَنٍ طَوِيلٍ لتَدخُلَ إمَارَتِي وتَخضَعَ لِسِيَادَتي، لَقد قُضِيَ عَلَيك. وفَتَحَ المَوتُ فَكَّيهِ لِيَنقَضَّ كَالعَادَةِ عَلى الطَّرِيدَةِ الجَدِيدَةِ ويَقضُمَها ويَأخُذَهَا إلى جَوفِه.

ولَكِن، يَا لَلمُفَاجَأةِ الكُبرى الّتي سَتُغَيِّرُ وَجهَ الإنسَانِيَّةِ جَمعَاءَ، ومَجرَى التَّاريخِ بِأَكمَلِه.إذ صَرَخَ المَوتُ قائِلاً: "مَن هَذا؟ مَنِ الّذي دَخَلَنِي؟ لا، إنَّهُ لَيسَ كَغَيرِهِ مِن سَائِرِ البَشَر. إنّي أَشعُرُ بالانهِزَامِ، أنا لا أَستَطِيعُ التَّغلُّبَ عَلَيهِ، إنَّهُ أقوى مِنّي بِكَثير".

وَسَطَعَ نُورُ الحَياةِ وبَدَّدَ ظَلامَ المَوتِ معلنا نَشيدَ الظَّفَر: "أَينَ غَلبَتُكَ يَا مَوتُ؟ أينَ شَوكَتُكِ يَا جَحِيم؟ لقَد أتَيتُكِ مُتَمَسكِنًا لِأخرُجَ مِنكِ مُنتَصِرًا، لَقد انحَلَّ المَوتُ إلى غَيرِ رَجعَةٍ وبَاتَ رُقادًاوانتِقالا".

هَذِهِ حالَتُنا بِقِيامَةِ المَسيحِ، لمَ يَعُدْ يَستَطِيعُ المَوتُ أن يَبتَلِعَنا إذْ نَحنُ أَصبَحْنَا قائِمينَ إلى حَياةٍ أَبدِيَّة.

يَا لَهذِهِ العَظَمَةِ الكَبيرَة، لَقد تَحَوَّلَت أَحزانُنَا إلى رَجَاءٍ وتَعزِيَةٍ، وتَحَوَّلَ قَلقُنَا إلى طُمأَنِينَةٍ وسَلام.

أَسرِعُوا يا أيُّها السَّامِعُون، وبَشِّرُوا بِالقَائِمِ وأَعلِنُوا بَشائِرَ البَهجَةِ والظَّفَر: لَقد فُتِحَ الفِردَوسُ لِمَن يَشتَهُونَه، وأُلغِيَتْ بَينَ الأَرضِ والسَّماءِ المَسافَاتُ بِالمَسيحِ يَسوعَ وبِتْنَا جَميعُنا أحرارًا بِهِ. ولَيسَ مِن مَيتٍ إلاّ الّذي لم يُولَدْ يَسوعُ في قَلبِهِ بَعد.

فلنفتح أبوابَ قلوبِنا ليدخلَ مَلِكُ المجد. هذا هو فِصحُنا وهذه هي قيامتُنا.