في عزّ الحرب العالمية التي يشنّها فايروس "كورونا" على الكرة الأرضية، استمرت الحروب الجانبية بين الدول، فأصرّت ​الولايات المتحدة الأميركية​ على استمرار حصار ​إيران​، وأبقت على العقوبات، لا بل تشددت فيها في بعض القطاعات، مترافقة مع اتهامها بسوء التصرف بما يخص ب​الكورونا​.

رقصت ايران على شفير الموت، فتارة تظهر بصورة الصامد أمام الفيروس القاتل هذا، وتارة كان عداد الموتى يضرب أرقاماً قياسية فيها. تأرجحت بين غزل المحبين المتباهين بقوّتها، وشماتة الأعداء والكارهين لها. أمام هذه العاصفة، ورغم ​العقوبات الأميركية​ الخانقة والتي قضت على كل سبل ​المقاومة​ الطبيعية، قاومت ايران وصمدت مقارنة بدول كانت على رأس قائمة المنظومات الصحية في العالم.

بعيداً عن هذا الواقع، بقي ​الحرس الثوري الايراني​ منعزلاً عن هذه العقوبات، محاولاً الصمود والابتكار والسعي لتحويل ايران إلى نموذج في مكافحة كورونا. ولأن الحاجة أم الاختراع، بدأت الاختراعات والصناعات تتوالى في ظل صعوبة الاستيراد من الخارج.

لكن الأمر اللافت كان في شق مختلف، بعيدا عن "الكورونا"، وتحديدا في قدرة الحرس على الاستمرار في التركيز على الأمور العسكرية التي قد يصعب على اي دولة متابعتها في هكذا ظروف. فبالأمس أعلن الحرس الثوري الايراني عن اطلاق أول قمر صناعي ايراني للفضاء، وذلك بعد أيام فقط من توجيه الزوارق الحربية الايرانية تحذيراً إلى بعض القطع الاميركية التي حاولت الاقتراب من الحدود البحرية.

"حضورنا في ​الفضاء​ ضرورة وليس اختيارا"، هكذا يرى المسؤولون في ايران موضوع القمر الصناعي. هو ليس مجرد انجاز علمي فشل أكثر من مرة في السابق، بل هو واجب وطني عمل الحرس الثوري عدة سنوات من أجله، رغم السخرية التي كانت تتعرض لها طهران في كل مرة فشلت محاولاتها السابقة (كان اخرها في شباط الماضي حين قال رئيس الوزراء الاسرائيلي ​بنيامين نتانياهو​ أن "ايران فشلت اليوم في إطلاق قمر اصطناعي إلى الفضاء. الإيرانيون يفشلون أيضا في نقل الأسلحة إلى سوريا ولبنان")، لم تيأس طهران واستمرت في المحاولة، فكان القمر الصناعي نور 1 تتويجاً لكل هذه الجهود.

أهمية هذه العملية تكمن في أنه من إنتاج الحرس الثوري الايراني بالكامل، وتم تخصيصه للأعمال العسكريّة، وقد تم اطلاقه عبر صاروخ باليستي بعيد المدى واستقر في المدار على ارتفاع ٤٢٥ كيلومتر. ومعنوياً، فإنّ تاريخ اطلاق هذا الصاروخ، 22 نيسان، هو وقت انشاء الحرس الثوري الايراني من قبل مؤسس الجمهورية الاسلامية ​روح الله الخميني​، ما يعطي دفعاً جديداً لهذه القوات الّتي تملك صلاحيات واسعة داخل الجمهورية.

بما يخص هدف هذا القمر، فإنه سيرفع من الجهوزية الاستخباراتية لايران ما يوسع رقعة انتشارها على الأرض لتصبح المراقبة من السماء، إضافة لتزويد الحرس الثوري بالصور اللازمة لعمله، وكل ذلك في منطقة فيها اسرائيل والعديد من القواعد الأميركية.

على صعيد آخر، كان لافتاً تصريح الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​ الذي أصدر تعليماته للبحرية الأميركية بتدمير أيّ زوارق تابعة للحرس الثوري الإيراني تقوم بالتعرّض أو الإقتراب من القطع ​البحرية الأميركية​. وهذا الموضوع هو مؤشر لمرحلة جديدة في مياه ​الخليج​ وبحر عمان و​مضيق هرمز​. إلا أن الردّ الايراني جاء باتصالات مع سلطنة عمان والكويت وقطر، مع اطلاق مبادرة هرمز للسلام وهو اتفاق يجمع الدول المطلّة على مضيق هرمز وينص على عدة أمور متعلقة بحماية التجارة فيه وأي اعتداء خارجي اضافة للمبادلات التجارية بين دول المضيق.

في البحر، كما في الجو، تحاول إيران فرض نفسها، لاعبا أساسيا في العالم، وهي تُثبت ذلك مرة بعد أخرى، فهل يؤدّي هذا التطور الى تدهور إضافي في علاقة إيران بمحيطها؟.