يفاخر بعض ال​لبنان​يين وانا منهم, بوجه لبنان المسيحي في هذه المنطقة,لأن لبنان بتركيبته واطلالته المتمثلة بمسيحية ​رئيس الجمهورية​ اللبنانية، شكل رسالة ثقافية فريدة و بقعة مضيئة، في هذا المشرق العربي المظلم وفي وسط هذا البحر الاسلامي.

مما لا شك فيه ان لبنان بوجهه المسيحي، هو علامة فارقه بين دول المنطقة العربيه، وبهذا الوجه المسيحي، كان من المفترض بلبنان ان يتفوق على مفهوم الوطن، ليشكل فكرة الرسالة المتطوره بين الدول، و القدوة والمثال الذي يحتذى به، لاقتداء الشعوب برسالة لبنان الفريده، التي تتخطى معنى الوطن كما وصفها ​البابا​ يوحنا بولس الثاني خلال زيارته الى لبنان، منبهراً بصورته وتركيبته التي سادها الالتئام والعيش برقي، تحت علم واحد وعلى بقعة تسمى وطناً، مجموعة اطياف كالفسيفساء متناسقه مع بعضها متفاهمة فيما بينها، رغم تعدد الاديان والثقافات والحضارات والانتماءات السياسيه، كلها تجمعت في لوحة مبهره ومميزة ومتقدمه عن لوحات بلاد مجاوره، سابقة للحاضر ومتفوقة على ​المستقبل​، حيث ظهر شعب لبنان للعالم ولشعوب المنطقه انه شعب قد استطاع التحليق عالياً، سابحاً في فضاء الوعي والادراك والعلم والثقافه والحضارة المتميزة، بمفهوم جديد مختلف، سابق لعصره ومتطور، قائم على مبدأ احترام ​الانسان​، محصناً بتعزيز الثقة بالوطن الرساله المتميزة، ما يمكنّه تجاوز الانتماء للطائفه او للمذهب، والعبور نحو الرسالة الحضارية القدوه.

لكن لبنان لم يرتق الى مستوى الوطن الرساله، لأن بعض اللبنانيين الطائفيين الذين اتخذوا من لبنان وطناً خالصاً لطائفتهم دون سواها من ​الطوائف​، فضلوا تمزيق الرساله الحضارية الفريده التي ابهرت ​العالم​ تقصدوا طمس معنى الوطن الرساله، فبدل الانفتاح على الاخر اختاروا الانكفاء نحو التزمت متمسكين بال​طائفة​ و لم يستطيعوا الحفاظ على وطن فصار لكل طائفة وطن ولكل مذهب منطقه حتى اضحى الوطن اوطانا طائفية مذهبية مقفله متقوقعة على ذاتها ، وبدل ان يكون لبنان مميزاً عن محيطه، مثال لوطن استطاع التفوق على مفاهيم الاديان والطوائف والمذاهب، يزيّن سيرة التاريخ بمعنى وطن الرساله، صار لبنان عبارة عن كيانات، وصرنا اقرب الى الفيدراليات، في وطن كان من المفترض ان يكون منارة الحضاره ومضرب مثل في هذا الشرق.

وفي هذا المجال كتب الاستاذ احمد طباره على صفحته مقالة جديرة بالاهتمام بعنوان "وقفّنا العد"مستشهداً بقول الرئيس ​رفيق الحريري​ وبشهادة البابا يوحنا بولس الثاني لاعتقاده ان لبنان استطاع تخطى الطوائف وعَبَر الزمن واضحى حاضراً ليكون الرساله

لكن اللبنانيين خيبوا شهادة البابا يوحنا، واطاحوا بصورة لبنان البهية، التي رآها الكثيرون ممن علقوا الامال على لبنان الحضاره، ليكون مثالاً مشرقاً وصورة متألقة، بامكانها ان تقلب ًكل المفاهيم الطائفية، التي تنطلق من مبدأ "العد والاحصاء" بين الطوائف.

اللبنانيون​ استطاعوا جعل لبنان رساله، لكنها رسالة طائفية بامتياز، عكسية سلبية لاتمت الى رؤية البابا يوحنا بولس الثاني بأي صله، فالبابا رأى في لبنان نموذجاً حضارياً فريداً، يجب أن يدرس في كتب التاريخ، ولتعتبر منه الجغرافيه ليكون مثالاً ولتعتبر منه اجيال العالم، بيدا ان رسالة لبنان الحاليه، لا يمكن مقاربتها باي حال من الاحوال مع الوطن الرساله، لان بعض الطائفيين فيه فضلوا الاستمرار بلعبة الاحصاء "والعد"، من اجل البقاء في الماضي واستجلابه للحاضر، وعدم تجاوز المستقبل.

الاستاذ احمد طباره استطرد في مقالته مستشهداً بثقافة القدوة الخليفة عمر بن الخطاب، حين دخل ​القدس​ والإسلام في عز إنطلاقه، فطلب منه ​مطران​ القدس أن يقيم صلاته في الكنيسة كما يريد، حينها رفض الخليفة الكبير، وصلّى في باحة الكنيسة، وعندما سُئل عن السبب قال الخليفة عمر بن الخطاب، أخاف أن يحولوها من بعدي إلى مسجد فلتبق كما هي ولتُقرع أجراسها .

استطيع القول ان بعض غلاة الطائفية في لبنان، انقلبوا على لبنان الرساله، وتنكروا لشهادة البابا يوحنا بولس الثاني، ولم يعيروا اي قيمه لرسالة الخليفة عمر بن الخطاب، الذي استنبط المستقبل وسبق التاريخ.

في هذه اللحظات الحرجة من ​تاريخ لبنان​ اقول وبكل شجاعة :

اولئك هم غلاة التعصب والتنكر للواقع، وهم اعداء المساواة مع الاخر، اولئك الذين اوغلوا في الهيمنة على مفاصل ومراكز ​الدولة​، واحتكروها بطائفتهم فقط دون سواها، في صورة اشبه بصورة شعب الله المختار،

فكيف يمكن للوطن ان يكون رسالة ومثالاً، حين يمنع ضابط في الجيش من غير الطائفة ​المسيحية​ المارونية ان يتبوؤ منصب ​قيادة الجيش​، فقط لانه من غير الطائفة المارونية وهو الذي اقسم على الولاء المطلق للوطن و يملك الكفاءة اللازمه لمنصب ​القيادة​.

كيف يمكن للوطن ان يكون رسالة ومثالاً، حين يمنع اقتصادي لامع في دول العالم من تبوؤ منصب حاكم ​مصرف لبنان​ فقط لانه من غير الطائفة المارونية وهو يملك الكفاءة اللازمة تمكنه من انتشال لبنان من كبوته الماليه

كيف يمكن لمواطن لبناني فيه كل مواصفات المواطنه الصالحه، ان لا يشعر بالغبن وبأنه مواطن من الدرجة الثانيه او الثالثه، فقط لانه من غير الطائفة المارونية.

الامثله كثيره ولا اريد الاسترسال بها لكننا نسأل اهكذا نجعل من لبنان مثالاً و رساله ؟ واي مثال واي رساله هذه ؟ السؤال موجه لغلاة الطائفية في لبنان.

معظم اللبنانيين يؤكدون بل ويصرون على بقاء وجه لبنان مسيحياً في منصب رئاسة الجمهوريه، وذلك كرسالة حضارية ثقافية فريدة، تميز لبنان واللبنانيين عن محيطه وعن بلدان العالم، وايضاً لجعل لبنان رساله تستحق الاحترام والاقتداء عن جداره، لكن بقدر هذا الاصرار هناك اصرار من نوع آخر وهو الاقدام على ​الغاء الطائفية​ السياسية في لبنان وفك اسر مفاصل الدولة من بين ايدي غلاة الطائفية لتكون متاحه لاصحاب الكفاءة ولأي طائفة انتموا.

كم كنت اتمنى الحفاظ على رسالة البابا يوحنا بولس الثاني واتخاذها كميثاق تجعل من لبنان وطناً طليعياً يسبق العصر يترجم المستقبل ويدخل التاريخ ليصيب بعدواه باقي دول المنطقه

كم كنت اتمنى من غلاة الطائفية الاقتداء بالاب هيلاريون كبوجي الذي الغى مفهوم ​الدين​ امام استرجاع وبناء وطن لجميع الاديان والثقافات والحضارات

احمد طباره وهو ال​بيروت​ي العتيق تلقى علومه في مدارس الارساليات المسيحية وتربى بين المسيحيين دخل الكنائس واستمع لعظة الابونا متأثر بسيرة الاب "يو حنا قمير" لكنه بقي محافظاً على اسلامه باحث متلهف لسبر اغوار احاديث الانبياء والرسل من كل الاديان وهو الذي عجز امام ثقافته وعلمه رجال الدين ورجال السياسه منطلقاً من ​تقديس​ الانسانية واحترامها بشفافيه مطلقه ولم يفرق يوماً بين الاديان و بقي يسبح في فضاء الرقي والفكر متجاوزاً كل الطوائف مؤمناً بلبنان الرساله

استاذ احمد طباره ايها المثقف والمفكر بنبل وامانه ايها العروبي العاشق لبيروت بعراقتها وهدوء شوارعها، وعجقة ازقتها القديمه، التي اختضنت كل الاديان السماويه ايها المسلم المؤمن بالمسيحية يا جامع الطوائف والمذاهب في قالب الانسانية ايها الطائر في غير سربه ايها الانسان الرساله

ان وطننا لبنان لم يزل يعاني من داء الطائفية واستطيع القول في هذا الزمن لقد اغرقوه في وباء المذهبية

ايها العزيز احمد طباره، اعلم علم اليقين انك تكتب من حرقة على وطن رافضاً الاعتراف بواقعنا المرير منطلقاً من حلم يراودك بوطن الرسالة و لك الحق في ان تحلم، وحلمك هو حلمنا، لكن اسمح ولا اغالي بالقول انه في ظل استمرار ممارسات غلاة الطائفية، فان الوطن لبنان لن يرتقي الى مستوى الرساله، ويؤسفني القول وقلبي تعتصره الخيبة وقلة الحيله، "لا لا ما وقفّنا العد" ولم نزل ارقاماً تحصى في صناديق الاقتراع..