بسم الله الرحمن الرحيم، الحمدلله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا ونبينا الاعظم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين المعصومين، يقول الله سبحانه وتعالى.

بسم الله الرحمن الرحيم:

"شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ" (سورة البقرة 185).

"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون"َ (سورة البقرة 183)

وقال تعالى "إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ، فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ" (سورة الدخان اية 3 و4)

وقال تعالى "إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ(1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ(2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ(3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ(4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ(5)" (سورة القدر)

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله في خطبة استقبال وفضل اعمال ​شهر رمضان​ المبارك، "أيها النّاس إنّه قَدْ أقبل إليكم شَهرُ الله بالبركةِ والرحمة والمغفرة، شَهر هُوَ عِندَ الله أفَضل الشهور وأيامه أفضلُ الايام، ولياليهِ أفَضل الليالي، وساعاته أفَضل الساعات، وهُوَ شَهر دعيتم فيهِ إلى ضيافة الله وجُعلتم فيهِ مِن أهْل كرامة الله. أنفاسكم فيهِ تسبيح، ونومكم فيهِ عبادة، وعمَلكم فيهِ مقبُول، ودعاؤكُم فيه مستجاب.. الى اخر هذه الخطبة العظيمة. (مفتاح الجنات جزء 3 صفحة 98 نقلا عن الامالي للشيخ الصدوق قدس).

وعن ابي جعفر عليه ​السلام​: "قال رسول الله صلى الله عليه وآله لجابر بن عبدالله: يَا جَابِرُ هَذَا شَهْرُ رَمَضَانَ، مَنْ صَامَ نَهَارَهُ، وَ قَامَ وِرْداً مِنْ لَيْلِهِ، وَعَفَّ بَطْنُهُ وَفَرْجُهُ، وَكَفَّ لِسَانَهُ، خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَخُرُوجِهِ مِنَ الشَّهْرِ".

فَقَالَ جَابِرٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أَحْسَنَ هَذَا الْحَدِيثَ!

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله: "يَا جَابِرُ، وَمَا أَشَدَّ هَذِهِ الشُّرُوطَ"!.

وقال صلى الله عليه وآله: "من صام شهر رمضان ايمانا واحتسابا غفر له الله ما تقدم من ذنبه". (المصدر نفسه صفحة 94 من ثواب الاعمال).

وقال امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام: "صوم القلب خير من صيام اللسان، وصيام اللسان خير من صيام البطن". (شرح خطبة رسول الله صلى الله عليه واله صفحة 121).

وقال الامام جعفر الصادق عليه السلام: "ان ​الصوم​ ليس من الطعام والشراب وحده، وان على جارحة حقا للصيام، فإذا صُمتَ فليصُمْ سمعُك وبصرُك وشعرُك وجلدُك ولسانك وبطنك وفرجك واحفظ يديك، وقال: لا يكونُ يومُ صومِك كيومِ فِطْرِك"، وقال عليه السلام: "من تصدق بصدقة في هذا الشهر غفر الله له".

وعن الامام محمد الباقر عليه السلام: "لكل شيء ربيع، وربيع القران شهر رمضان" (مفتاح الجنات جزء 3 صفحة 102 – 104).

من خلال ما تقدم معنا من الايات الكريمة والاحاديث الشريفة وغيرها الكثير مما لم نذكره هنا، نستفيد:

1- ان شهر رمضان هو افضل الشهور على الاطلاق، وقد نسبه الله لنفسه تعظيما لحرمته وتقديسا لمكانته فنقول: "شهر الله تعالى".

2- ان الله تعالى عظم بعض الازمان والاماكن لاهميتها، ولكي يستفيد الانسان منعا ويغتنم العمر برضا الله سبحانه وتعالى، ويجتنب معصيته ويتزود من الدنيا ولا سيما بتقوى تعالى لاخرته الباقية.

3- انّ العلة والحكمة من الصوم عدة امور ومنها: "التقوى والورع"، ومنها ما قاله الامام جعفر الصادق عليه السلام: "انما فرض الله ​الصيام​ ليستوي به الغني والفقير وذلك ان للغني لم يكن ليجد مس الجوع فيرحم الفقير لان الغني كلما اراد شيئا قدر عليه، فأراد الله تعالى ان يسوي خلقه وان يذيق الغني مس الجوع والالم ليرقّ على الضعيف ويرحم الجائع".

ومنها ما قاله الامام علي الرضا عليه السلام: "علة الصوم لعرفان من الجوع والعطش، ليكون العبد ذليلا مستكينا مأجورا محتسبا صابرا فيكون ذلك دليلا على شدائد الآخرة، مع ما فيه من الانكسار له عن الشهوات، واعظا له في العاجل، دليلا على الاجل، ليعلم شدة مبلغ ذلك من أهل الفقر والمسكنة في الدنيا والاخرة". (شرح خطبة رسول الله صله الله عليه واله صفة 122 – 123).

4- لشهر رمضان عدة تسميات فهو شهر الله تعالى وهو شهر الخير والبركة والمغفرة والرحمة والتوبة والانابة والعبادة والطاعة، وعن النبي صلى الله عليه واله: "انما سمي الرمضان لانه يرمض الذنوب"، بمعنى يحرقها ويذيبها"(المصدر نفسه صفحة 31). ويوجد قول ان شهر رمضان اول السنة، وقول بكراهة قول رمضان بدون شهر، يعني نقول : "شهر رمضان"، ويوجد قول ان رمضان من اسماء الله تعالى، وايضا يسمون هذا الشهر الشريف بشهر ​الاسلام​ وشهر الصيام وبالمضمار.

5- للصوم ثلاثة مراتب او درجات:

الاولى، صوم العموم او العوام: ويتمثل بإجتناب المفطرات المعهودة من الفجر والى الغروب المتحقق بذهاب الحمرة المشرقية، وذلك بنية القربة الخالصة الى الله تعالى ومن دون اي رياء او عجب، وهذا الصوم يصومه اكثر الناس، حيث فيه كف البطن والفرج عن قضاء والشهوة.

الثانية، صوم الخصوص او الخواص: وهو كف السمع والبصر واللسان واليد والرجل وسائر الجوارح عن الاثام فلا يقتصر الصائم في صومه هنا عن الامساك عن مفطرات الصوم المعهودة، وانما يجتنب كل المحرمات الالهية ويمتنع عنها ايضا.

الثالثة، صوم خصوص او الخواص: وهو صوم القلب عن الهمم الدنيّة، والافكار الدنيوية، وكفه عما سوى الله تعالى، والانقطاع اليه، وهذا من كمال الصوم وهو رتبه الانبياء والائمة والصديقين والمقربين، فهذا الصوم يتمثل بكف القلب وتحصينه عن كل ما يشغله سوى الله سبحانه وتعالى، حلالا كان الشاغل او حراما"، فلا يجعل في قلبه غير الله تعالى. قال تعالى "ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه.." (سورة الاحزاب اية 4).

وقال امير المؤمنين عليه السلام: "وصيام القلب عن الفكر من الاثام افضل من صيام البطن عن الطعام" (افضل الليالي صفحة 54).

6- للصوم فوائد واثار كثيرة ولا سيما في شهر رمضان المبارك:

- فمنها الاثار والفوائد الروحية والنفسية والاخلاقية، والمراد ما تتاثر به النفس روحيا سواء على الصعيد الشخصي الخاص من خلال تربية النفس خلقيا وروحيا بما ينفعها في دنياها وآخرتها ام على الصعيد الاجتماعي العام. وقد وضح القران الكريم ذلك من خلال التقوى وغيرها، وقد وضح الرسول الكريم ذلك في خطبته الشريفة، ولا مجال للتفصيل ويكفي ما قاله صلى الله عليه واله: "ومن حسن منكم في هذا الشهر خلقه كان له بذلك جواز على الصراط يوم تنزل فيه الاقدام"، فعلينا بتربية ومجاهدة انفسنا وتزيكيتها وتنميتها روحيا ونفسيا واخلاقيا من خلال التحلي بمكارم الاخلاق والصبر والارادة وصوم الجوارح والورع عن محارم الله تعالى وتوقى الله تعالى.

وقال الامام جعفر الصادق عليه السلام: "فإذا صمتم فاحفظوا السنتكم عن الكذب وغضوا ابصاركم ولا تنازعوا ولا تحاسدوا ولا تغتابوا... ولا تسابوا... ولا تظلموا... والحديث يطول. وعلينا الاقتداء والتاسي بالنبي صلى الله عليه وآله وباخلاقه العظيمة.

- ومنها الاثار والفوائد العبادية: وهي فرع من الاثار الروجية والنفسية للصوم، وشهر رمضان هو شهر العبادة والعبادة تتحقق بكل عمل يُقصد به وجه الله تعالى والتقرب اليه عز وجل ك​الصلاة​ والصوم والحج والزكاة والخمس والصدقات وغيرها، ولا يخفى الارتباط الوثيق بين شهر رمضان والحج حيث يكتب وفد الحج. وهذا الشهر هو شهر ضيافة الرحمن وضيافة الله تعالى ان جعل انفاسنا فيه تسبيح ونومنا فيه عبادى، وعملنا فيه مقبولا، ودعاؤنا فيه مستجاب، والشقي من حرم فيه غفران الله تعالى. والصلاة فيه مضاعفة واية من القران الكريم كمن ختم القران كله في غيره من الشهور، والصلاة على محمد وال محمد وكثرتها ليثقل الله تعالى بها ميزاننا يوم القيامة وغير ذلك، فعلينا الاكثار في شهر رمضان من قراءة القران الكريم والادعية وذكر الله تعالى والصلاة على محمد وال محمد.

- ومنها الاثار والفوائد الفكرية والعلمية والثقافية: ان مما لا شك فيه ان الصوم يعطينا دروسا في الصبر والتحمل ومجاهدة النفس وقوة الارادة والصلابة والثبات على الحق بالصوم تتجلى الروح وتتقوى على الصفات البدنية للانسان، والصائم يحصل على صفاء القلب والذهن والطمأنينة والسكينة فيورث الحكمة وقد اثبتت التجارب ان التقليل من الطعام يغلب صفات الروج على صفات الجسد، فيزداد العقل اشراقا والذكاء حدة والنفس هدوءا، والارادة قوة، والعبادة تحتاج الى علم ومعرفة، فعلينا مع تهيئة الظروف والجوع للعلم والمعرفة في شهر رمضان ان يغتنم الايام المباركة لطلب العلم، وقد قال تعالى "واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شيء عليم" (سورة البقرة 282).

واليوم وسائل العلم والمعرفة كثيرة ولا سيما مع التقوى ومع الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة والفضائيات والانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، ووجود المساجد والحسينيات والمعاهد والحوزات الدينية والمراكز الثقافية، ولا سيما اليوم ومع وجود وباء ​كورونا​ وغيره نحتاج الى كثير من هذه الوسائل، وعلينا ان ننهل من علوم القران الكريم وتفسيره ومن علوم اهل البيت عليهم السلام مصادر العلم والمعرفة.

- ومنها الاثار والفوائد التربوية والاجتماعية: فالصوم يعلمنا النظم والانضباط في الامور، فإن الصائم الذي يمسك عن المفطرات من طلوع الفجر الى غروب الشمس طوال شهر رمضان المبارك يستطيع ان ينظم برامج حياتنا اليومية حسب ما يريد طوال السنة، وتنظيم وقت الطعام واجتماع العائلة على مائدة واحدة في وقت واحد له اثاره على كل السنة، ومن فوائد الصوم المواساة والمساواة بين افراد المجتمع (ليستوي الفقير والغني) ومن خلال دعوة الفقراء على موائد الافطار او ارسال الافطار اليهم، ومن خلال الصدقات والاهتمام بالفقراء والايتام والمساكين والاسرى والجرحى وعوائل الشهداء واصحاب الاحتياجات الخاصة والعاهات والعجزة ومن ليس لهم معيل، ومن خلال بر الوالدين وصلة الارحام والتزاور والتراحم والاهتمام بالكبار والصغار والانفاق في سبيل الله تعالى، والسخاء والجود والكرم والعطاء والبذل والتبرعات كما امرنا الله تعالى بذلك والنبي الاعظم واله الاطاهرين صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين، وكل ذلك يولد حالة اجتماعية عظيمة وترابط وتلاحم في قوى المجتمع الاسلامي والانساني وعلى كل الصعد.

- ومن الفوائد والاثار الصحية والبدنية: الامور الكثيرة، والصوم علاج لاضخم الامراض البدنية ولا سيما امراض الجهاز الهضمي وفي الحديث: "صوموا تصحوا"، "والمعدة بيت كل داء، والحمية راس كل دواء" (افضل الليالي صفحة 51). "ولكل شيء زكاة وزكاة الابدان الصيام"، والفوائد كثرة ولا مجال لذكرها.

- ومن الفوائد الاخروية والولائية: ان الصوم لا يقبل من دون ولاية وحب النبي واله الطاهرين صلوات الله عليهم اجمعين، فعلينا بولايتهم وحبهم ونشر فضائلهم وذكر سيرتهم والبراءة من اعدائهم، كما وعلينا الاقتداء والتآسي بالنبي الاكرم واله الطاهرين لا سيما بقى الله في الارض امام العصر والزمان ​الامام المهدي​ عجل الله تعالى فرجه الشريف، والتخلق باخلاقهم والتادب بادابهم والتمسك بهم وبالقران الكريم معا كما دل، وان نهتم بمناسباتهم ولا سيما شهر رمضان الذي له ارتباط وثيق بالنبي واله والسيدة الزهراء صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين، وذكر ظلاماتهم ومصائبهم وما جرى عليهم.

وقال رسول الله: "الصوم حجاب من عذاب الاخرة".

وعن الامام جعفر الصادق عليه السلام: "للصائم فرحتان، فرحة عند افطاره وفرحة عن لقاء ربه". (المصدر السابق صفحة 53).

ولا ننسى الاهتمام ب​ليلة القدر​ واحيائها والاعمال فيها ولا ننسى وداع شهر رمضان المبارك والاستفادة من دروسه لكل السنوات والاهتمام بالعيد وزكاة الفطرة. والحمدلله رب العالمين.