تستفزُّك المواقف غير اللائقة، على الحلبة السِّياسيَّة، فيما اللُّبنانيُّون محشورون بين فكَّي "​كورونا​" المُستجدِّ والمجاعة المُستحدَثَة والكاشفة عن أَنيابها كالدِّيب الكاسر!، إِلى درجةٍ قد يظنُّ المرء معها، أَلاَّ وباء قاتلاً يجُول على الخليقة فيُردي بهم خبط عشواءٍ، ولا همَّ للُّبنانيِّين سوى الرُّضوخ للسِّجالات العقيمة ولأَبطالها من المنظومة الَّتي سرقت بدمٍ باردٍ أَموال اللُّبنانيِّين...

فالأَحد الماضي، وما كاد رئيس "التَّيَّار الوطنيِّ الحرِّ" النَّائب ​جبران باسيل​ يُنهي عرضه للمُشكلات المُزمنة –ووباء ​الفساد​ المُستشري ضمنًا– والَّتي يرزح تحتها وطن الأَرز، إِلى أَن اعتمد البعض التَّغريدات الغرائزيَّة الَّتي تُؤشِّر إِلى كارثةٍ على مُستوى مَن يدَّعون أَنَّهم من المسؤولين والعاملين في الشَّأْن العامِّ. وذلك المُؤشِّر إِنَّما ينمُّ أَوَّلاً وأَخيرًا عن استخفاف هؤلاءِ ب​ضحايا​هم قبل أَنْ يكونُوا ضحايا الوباء العالميِّ والإِفلاس العامِّ وحيتان الفساد...

والكارثة الخُلقيَّة تلك، تدلُّ على انتفاء الإِحساس الإِنسانيِّ، واللَّياقة الاجتماعيَّة، والخُلق الحميد، بعدما انعدم الضَّمير لدى تُجَّار المواقف وفجَّارها!...

قد يُوافق المرء جبران باسيل كما وقد لا يوافقه، وقد يصل البعض إِلى حدِّ التَّشكيك بكلِّ حرفٍ يتفوَّه به رئيس التيّار، وبخطابه جملةً وتفصيلاً، كما وأَنَّ للجميع الحقَّ في عدم تصديق الرَّجل... لكنَّ أَحدًا لا ينكر عليه أَقلَّه، تقريرًا عرضه في سياق مؤتمره الصِّحافيِّ الأَحد بكلِّ مهنيَّةٍ وجديَّة...

لقد "هندس" رئيس التَّيَّار تقريره، ودعمه بالعقل والمنطق، بغضِّ النَّظر عن صدقيَّة الرَّجل الَّتي تبقى رأْيًا خاصًّا لكلٍّ منَّا، ومُشكلةً خاصَّةً بجبران باسيل عليه أَنْ يعرف كيف يوجد الحُلول لها...

بيد أَنَّ المُهندس باسيل، عرف كيف يُطعِّم تقريره بالمهارات التَّحليليَّة الَّتي أَحسن استثمارها في عرضه...

السِّباق الرِّئاسيّ

وإِذا كانت المسأَلة تُناقش من باب السِّباق على الرِّئاسة الأُولى في لُبنان، وفتح معركتها بين المُرشَّحين باسيل ورئيس تيَّار ​المردة​ سليمان بيك فرنجيَّة ومَن يدعمه، بعدما استهدف فرنجيَّة باسيل قبل مؤتمره الصِّحافيّ، بكلامٍ انفعاليٍّ خلا –للأَسف- من التَّنسيق و"الدَّوزنة"... فإِنَّ المُهندس قد سجَّل النُّقطة الأُولى في المُناظرة الرِّئاسيَّة الأُولى –ولو عن بُعد– على حساب "البيك"!، مع أنَّ الوقت غير مُناسبٍ لذلك.

وقد يبدو المشهد وكأَنَّ باسيل يُستهدف مِن خُصومه السِّياسيِّين بسلاح "النِّقَّيفة"!. تلك الوسيلة الَّتي يستخدمها الفلسطينيُّون الَّذين لا حَوْل لهم ولا قُوَّة، في مُواجهتهم الآلة الحربيَّة العسكريَّة المُغتصبة لأَرضهم وكرامتهم وحُرماتهم... لكنَّ التَّشبيه هُنا بين "نقَّيفة الفلسطينيِّين" و"نقَّيفة بعض السِّياسيِّين" عندنا، وإِن صحَّ انطلاقًا من الوسيلة، إِلاَّ أَنَّه لا يصحُّ أَبدًا ومُطلقًا، من حيث الجهتَين: الجهة المُستخدِمة لهذا السِّلاح البدائيِّ، والجهة المُستهدَفة به. كما ولا مجال للمُقارنة بين الفلسطينيِّين البواسل المُدافعين عن أَرضهم وكرامتهم وعزَّتهم بما امتلكت أَيديهم، والسِّياسيِّين عندنا الَّذين يُحاربون بعضهم بالنِّقَّيفة، ويُحاربون شعبهم بالسِّلاح الفتَّاك!. وكذلك لا مجال للمُقارنة بين العدوِّ الصُّهيونيِّ الغاصب ورئيس "التَّيَّار الوطنيِّ الحرِّ".

يبقى أَن نُشير إِلى أَنَّ سلاح النِّقَّيفة ظهر للمرَّة الأُولى في القرن السَّابع عشر، وهو سلاحٌ مُكوَّن من قبضةٍ ينبثق منها عَمودان على شكل (Y)، حيث يركب عليهما شريطان مطَّاطيَّان تربط بينهما قطعة مُربَّعة مِن الجلد. ولإِستعمال هذا السِّلاح توضع ​قذيفة​ (حجر صغير أَو كُرة حديديَّة صغيرة) داخل القطعة الجلديَّة، الَّتي يتمُّ جذبها إِلى الوراء لتمديد الشَّريط المطَّاطيِّ، ومن ثمَّ يتمُّ إِطلاقها لإِصابة الهدف من بعيدٍ. ويبدو أَنَّ اللُّبنانيِّين سيشحذون النِّقَّيفة لاستخدامها في وجه مَن جوَّعهم، بعدما عُدنا بسبب ​سياسة​ هؤُلاء وضميرهم الحيّ... إِلى ما قبل قبل القرن السَّابع عشر!.