يُعرف عن ​رئيس الجمهورية​ ​ميشال عون​ صلابته تاريخياً، إلى حد أنَّ قوى سياسية كانت تحمّله مسؤولية حصد نتائج سلبية جرّاء عناده الناتج عملياً عن الصلابة الشخصية. لكن هل تصطدم تلك الصلابة بتصلّب شبيه بها موجود عند رئيس ​الحكومة​ ​حسان دياب​؟ يردّد مراقبون كلاماً يصفون به العلاقة بين ​بعبدا​ و​السراي الحكومي​ بأنها تتعرّض لهزّات شبه يومية، نتيجة إصرار دياب على رؤى سياسية واقتصادية وإدارية تتعارض احياناً مع توجهات رئيس الجمهورية.

لم يكن ملف ​سلعاتا​ هو الوحيد. يمكن العودة الى مسار التعامل مع حاكم مصرف ​لبنان​ ​رياض سلامة​، يوم مضى رئيس الحكومة مدعوماً من فريقين أساسيين: التيار "الوطني الحر" و"​حزب الله​" بإتجاه تعيين بديل عن سلامة، ثم وجد دياب الصلب نفسه وحيداً رأس حربة في ملف ​المصرف المركزي​. لم يقف أحد ليسانده في موقفه، لا بل تنصل "الوطني الحر" عملياً من المضي بمسار إزاحة سلامة بعد كلام رئيسه النائب ​جبران باسيل​ في مقاربته لموضوع الحاكم. بقي رئيس الحكومة في الميدان يدافع عن وجهة نظره، ثم عدّل توجهاته بعدما هبّ ​البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي​ ورفع الفيتو دفاعاً عن حاكمية ​مصرف لبنان​.

أتى ملف ​محافظ​ ​بيروت​ لتعيين بديل عن ​القاضي زياد شبيب​. طرح رئيس الحكومة إسم مستشارته بترا خوري، لكن ​الطائفة الأرثوذكسية​ هبّت ايضاً للدفاع عن مقعد إداري مرموق يخصّها. مارس دياب صلابته، لكنه لم يفلح بفرض رأيه، بعدما وجد ان رئيس الجمهورية يتفّهم إعتراض الأرثوذكس، لا بل قاد عملية الرفض الارثوذوكسي نائب رئيس ​المجلس النيابي​ ​ايلي الفرزلي​ والنائب ​الياس بو صعب​ المحسوبان على فريق رئيس الجمهورية.

عاند رئيس الحكومة بداية، رغم اجتماع مطرانية بيروت وكلام الفرزلي بإسم الطائفة الأرثوذكسية، لكن عندما حسم عون الموقف جاءت تغريدة بو صعب مفصلية لدفع مستشارة دياب التي كانت مطروحة لتولّي منصب محافظ بيروت الى إعلان موقفها المخرج بسحب اسمها من التداول.

بين العنوانين بأبعادهما الماروني والارثوذوكسي في نظام طائفي يفرض فيه كل مكون حصته وشخصيات مواقعه، حلّ ملف سلعاتا الذي صوّت ضده دياب، ليشكّل موقفه مفاجأة عند التيار البرتقالي. لكن يبدو ان صلابة رئيس الحكومة هنا لن يعاندها احد، بسبب انطلاقة دياب من أجواء دولية معنية بدعم لبنان، ترفض أن يُقر مشروع سلعاتا بسبب تكاليفه المالية الباهظة. لا إمكانية لهضمه حالياً، وهو ما تفهّمته كل القوى السياسية الممثّلة في الحكومة. وبحسب المعلومات تمّ تجاوز التباين الذي نشأ بين بعبدا والسراي الكبير في هذا المجال، وطي صفحة سلعاتا نهائياً بترسيخ موقف دياب. لكن التفرّغ الحكومي والسياسي سيكون بشأن متطلّبات ​صندوق النقد الدولي​ التي تبدأ ب​الكهرباء​ عبر تعيين هيئة ناظمة ومجلس إدارة ورفع التكلفة وإيقاف البواخر. فهل ستحصل خلافات بسبب ​التعيينات​ الكهربائية؟ لا بل ماذا بشأن التعيينات الأخرى؟ لا يبدو أن التباين قائم بين مجموعتين: قوى ممثلة بالحكومة، وقوى خارج الحكومة. بل ان الخلاف هو بين القوى ذاتها الموجودة على طاولة الحكومة. لا مجال للترف هنا ولا الانتظار من دون تعيينات. لأن المواطنين باتوا يسألون: ماذا فعلت الحكومة؟ ان أول صلابة فعّالة تكون بإنتاج مجالس إدارة وهيئات ناظمة من دون تمديد ولا تجديد. فهل يحقق دياب صلابته في تلك الملفات؟ ام أن الحسابات السياسية والطائفية ستُحبط صلابة دياب؟.

تنطلق القوى السياسية المشاركة بالحكومة من معادلة ان دياب يحتاج الى غطاء سياسي للمضي بمهامه نتيجة معارضة القوى الاخرى له، وهو منطلق خاطئ: من قال أن "​القوات​" و"​التقدمي الاشتراكي​" يعارضان دياب؟ لا تبدو مشاكسته موجودة، لا بل ان رئيس الحكومة السابق ​سعد الحريري​ لمس إيجابية الحزبين المذكورين تجاه دياب شخصياً. قد تكون تلك الإيجابية عاملا إضافيا ضمنيا لرئيس الحكومة كي يمضي قدماً بصلابة في مسار التعيينات الإدارية من دون قلق، الا اذا كان مصيرها سيلقى مصير ​التشكيلات القضائية​.