مع اشتعال إنتفاضة ١٧ تشرين، ضد الحاكمين، رُفعت عِدّة شعارات في مقدمتها الأكثر تداولاً ودغدغةً لعواطف الغالبية من ​الشباب​، هو إجراء انتخابات مبكرة، إلى إسقاط النظام الذي كان شعارًا مركزيًا الذي انقلب إلى شتاءٍ قارس لا قيمة له، وعلى خلفية المطالبة بإنتخابات مُبكرة هل سيُغير خارطة الوضع السياسي في البلاد، متناسين تمامًا التراكم التربوي والاجتماعي والولاء العشائري والمذهبي والقومي وواقع الحال المؤلم الذي لا تؤثر فيه أي انتخابات مبكرة بالشكل الذي يطمح له المنتفضون، خاصةً وأن مفاتيحًا خطيرة سيتم استخدامها مع غالبية مخدرة بالأيديولوجيات الدينية والمذهبية البعيدة تمامًا عما يطمحون إليه من إصلاح، حتى ولو على حسابهم من ازمة اقتصادية تجوعهم وتذلهم في دولةٍ ورثت نظام " نفِذّ ثم ناقش " ومؤسسات إعلامية وتربوية وثقافية تعتمد شعار "هؤلاء من قتلوا الشهيد"، "وذاك من يتعامل مع العدو" وهؤلاء هُمّ سببًا للخراب والدمار كل تلك الشعارات تغوص في مستنقع الفساد والإفساد تحت يافطات الديمقراطية والحرية التي ناضلنا من أجلها عقودًا مريرة، فتحولت تلك الشعارات إلى أنماط من السلوكيات الممسوخة، اختلطت في معمعتها الكثير من الأوراق، للدرجة التي امتزجت فيها الألوان بما جعلت الكثير منا يصاب بعمى ألوان الأحزاب تارةً وحيرة العقول وذهولها تارةً أخرى!؟

إنَّ ما يجري في بلادنا، لا يمكن وضعه تحت أي عنوان متفق عليه ضمن أفكار وفلسفات منظري الأنظمة السياسية الشمولية منها، أو الديمقراطية أو التي بينهما، فهي مزيج مسخ من مفاهيم لا علاقة لها بأي عرف سياسي أو تقليد إداري، فقد اختلط فيها الحابل بالنابل كما يقولون، وتحول تجار البلاد الصغار منهم والكبار، وخاصةً أصحاب الصفقات المشبوهة وأبطال غسل الأموال القذرة ومهربي ​المخدرات​ و​المازوت​ والمواد الغذائية والذي منه، إلى زعماء أحزاب وكتل ومن ثمَّ وزراء ونواب وما بينهما من وكلاء و​ممثلين​ ومدراء عامِين وسفراء وقناصل لا يصلح أفضلهم أن يكون موظف استعلامات أو علاقات عامة في دائرة بسيطة أو مقهى عادي، أصبحوا بقدرة قادر بين ليلةٍ وضحاها في الزمن السيء، قادة هذا البلد المنكوب بدولته منذ تأسيس كيانه في غفلةٍ من أصحاب العلاقة من المالكين والورثة؟

ورغم كل ما يحدث من طوفان في دماء المساكين من أولئك ​المتظاهرين​، فإن معظم هؤلاء الذين يتحدثون بإسمهم، وخاصةً مِن الذين ركبوا الموّجة ونصبوا أنفسهم وكلاء يترافعون عنهم سواء أكانوا يحملون لقب نائب أو وزير أو زعيم كتلة وما دونه، الذين تحول قسم مهم منهم إلى طرف ثالث بعد أن كانوا دلالين لبيع المساجين والمعتقلين، وخاصةً أولئك المتهمين بإرهاب الأبرياء منهم والمجرمين، ولكل رأس منهم سعر محدد حسب فعلته الجهادية في الذبح أو اللغف، صعودًا إلى جدول أسعار المواقع الوزارية والوظيفية العليا، مدنيةً كانت أم عسكرية، كل هؤلاء دونما استثناء يهيئون الأمور للانتخابات المرجوة، ويناضلون بشراسة وعناد وبتجارةٍ عالية المستوى من أجل الاستحواذ على مقاليد ومفاتيح الحكم وخزائن الأموال .!

وبعد كل ما جرى بدايةً من استقالة ​حكومة سعد الحريري​، والتملص من آثار ​التظاهرات​، فقد أركنت ​رئاسة الحكومة​ لشخصية مقبولة الى حدٍّ ما أتت بـ ٦٩ صوتًا، وعلى مضض من الطبقة الحاكمة، نجح ​حسان دياب​ نسبيًا في إيصال مجموعة وزراء معظمهم لا تنطبق عليهم لحدّ الآن التوصيفات واردة الذكر في مقالنا، خاصةً وأنه يتمتع بموافقة شيعية – واكبر كتلة مسيحية مع غطاء خجول لأحزاب تقليدية كان لها الحضور القوي في الحكومات المتعاقبة، تزيد رصيدها وأوراقها في اللعب مع المجموعات المنفلتة.

وإزاء ذلك نحن أمام عدّة أسئلة تعد هاجسًا لشعب إنتفض لنكون على مستوى إصلاحي حقيقي !

وهل سيتركون رئيس الوزراء حسان دياب دون الحرتقة عليه، وبعد تصريحه الجريء بإعلانه ​محاربة الفساد​ على كافة القطاعات العامة المهترئة وبمعركة طويلة وصعبة، مع الإلتزام الفعلي في الإصلاح والتغيير بإحترام شروط ​المجتمع الدولي​ من أجل مساعدة ​لبنان​، أم ستبدأ مرحلة جديدة من الالتفاف والاحتواء وتغيير البوصلات لصالح الطبقة الفاسدة في الحكم؟

الأسابيع القادمة، ستكشف جدّية التحدي الكبير، يحصل لأول مرة من بعد ​الإستقلال​ الثاني في ​الإنتفاضة​ المليونية عام 2005، هل هذه الحكومة باتت على قاب قوسين ولا خيار آخر لها لإنقاذ ما تبقى منها، في إجراء تغييرات نوعية وعلى جدول أولوياتها الإصلاحات الجذرية، لتقنع الأهالي ب​تحقيق​ إنجازات، وتُفرج على أموال ​صندوق النقد​ الذي ينظراليها بدقة وترقُب؟

الكل يعول على كلام دياب بأنه اذا تحقق ، ستتغير الخارطة السياسية للبلاد، وحتى ذلك الحين يبقى السؤال الأهم هو:

هل سنرى اللصوص في السجون ..

وهل ستكون الحكومة على قدر وعودها امام ​تسونامي​ تلك الطائفة او ذاك المذهب في الدفاع عن عناصرهما المُرتكبة ولو على حساب انقاذ الوطن والمواطنية ؟!

وهل ما زالت فكرة الذهاب الى انتخابات مُبكرة في هكذا مُجتمع ستكون الحل؟!