لا يمكن فصل الإنتخابات الاميركية الرئاسيّة، المقرّرة في شهر تشرين الثاني المقبل، التي يتنافس فيها الرئيس الحالي ​دونالد ترامب​ عن الحزب "الجمهوري" والمرشح عن الحزب "الديمقراطي" ​جو بايدن​، عن مجمل التطورات التي تشهدها المنطقة في المرحلة الراهنة، لا سيّما أن ترامب بات بحاجة إلى ورقة خارجيّة حاسمة في هذا الإستحقاق، نظراً إلى التداعيات التي تركتها جائحة ​فيروس كورونا​ المستجد على الإقتصاد الأميركي، بالإضافة إلى الآثار الناجمة عن حادثة مقتل المواطن من أصول أفريقيّة جورج فلويد.

من حيث المبدأ، الورقة الأسهل، من وجهة النظر الأميركية، هي التوصل إلى تسوية على مستوى منطقة ​الشرق الأوسط​ مع المحور الذي تقوده ​إيران​، أو تحقيق إنتصار في إحدى ساحات الصراع المشتركة بين الجانبين، ك​سوريا​ أو ​العراق​ أو ​لبنان​، الأمر الذي حتم رفع مستوى الضغوط التي تمارسها واشنطن على هذا الصعيد.

ضمن هذا السياق، تقرأ أوساط سياسية متابعة، عبر "النشرة"، ما يجري على مستوى المنطقة في الوقت الراهن، لناحية تشديد الضغوط الإقتصاديّة على لبنان بالتزامن مع السعي إلى إعادة طرح ملفّ سلاح "​حزب الله​" على طاولة المباحثات، أو الذهاب إلى تطبيق قانون قيصر في سوريا، الذي يعدّ الأقصى منذ بداية الحرب هناك في العام 2011، الأمر الذي يتوقع أن يتصاعد في الأسابيع المقبلة.

من وجهة نظر هذه الأوساط، مستوى الضغوط الأميركية حتّمت على المحور المقابل الذهاب إلى رفع مستوى المواجهة، من خلال الخطاب الأخير لأمين عام "حزب الله" السيد حسن نصرالله، الّذي لم يتوقّف عند حدّ التلويح المتكرّر بورقة الخيارات البديلة، بل شمل أيضاً التهديد بإستخدام القوة العسكريّة، من خلال الإشارة إلى معادلة: "لن نسلّم السلاح ولن نجوع وسنقتلك".

هذا الواقع، يقود الأوساط نفسها إلى توقّع أن تكون الأشهر الفاصلة عن الإنتخابات الأميركية حبلى بالتطورات الضاغطة على مختلف الأفرقاء، وبالتالي ترى أنها لن تكون سهلة على الإطلاق، إلا إذا حصلت تطورات مفاجئة، لم تظهر معالمها حتى الساعة، تقود إلى تسوية أو تهدئة بين الجانبين، على قاعدة إرتفاع خطر الوقوع في المحظور.

المعطيات الراهنة، لا تزال تدعم الفرضية السابقة، التي تقوم على أساس أنّ ​الولايات المتحدة​ تريد جرّ المنطقة إلى تسوية وفق موازين القوى الحالية بأسرع وقت ممكن، فلا أحد يتوقع أن يذهب ترامب إلى حرب كبرى قبل أشهر قليلة من الإستحقاق الإنتخابي، بينما المحور المقابل، الذي يعاني من حجم الضغوطات غير المسبوقة لا سيما في السّاحات التي تعد ضعيفة المناعة، يراهن على تبدّل تفرضه الإنتخابات الأميركيّة، لناحية فوز المرشح الديمقراطي، وبالتالي إمكانيّة الوصول إلى تسوية بشروط أفضل، كتلك التي حصلت مع الرئيس السابق ​باراك أوباما​، مع العلم أن خطوط التواصل والإتصال بين الجانبين غير مقطوعة بشكل كامل، بدليل عمليات تبادل السجناء التي حصلت في الفترة الماضية.

بالنسبة إلى الأوساط السياسية المتابعة، رفع مستوى التهديد من جانب المحور الذي تقوده إيران، قد يقود إلى فرملة الإندفاعة الأميركيّة، بسبب التداعيات التي قد تترتب على أي خطوة حقيقية قد يقدم عليها هذا المحور الذي يملك الكثير من أوراق القوّة، لكن في المقابل مصالح الإدارة الحاليّة قد تقود إلى تسريعها، وهي أيضاً تملك الكثير من أوراق القوة القابلة للإستخدام، ما يعني أنّ كل الإحتمالات تبقى مفتوحة في المرحلة المقبلة، خصوصاً أنّ أيّ فريق لم يقدم حتى الآن على الذهاب خطوة بإتجاه الآخر، بل على العكس من ذلك يبدو أن كلاًّ منهما يرفع من سقف المواجهة من جانبه.

في ما يتعلق بالساحة المحلية، ترى هذه الأوساط أن الحل الأفضل هو محاولة لملمة الأوضاع في هذه الفترة، تمهيداً للخروج منها بأقل قدر ممكن من الخسائر، نظراً إلى أن الإنقسام الداخلي لا يسمح بأخذ البلاد إلى هذه الوجهة أو تلك، وبالتالي لا قدرة على الدخول في أيّ مغامرة غير محسوبة النتائج، سواء من الأفرقاء المحسوبين على هذا المحور أو ذاك، لكنها تطرح علامات إستفهام حول إمكانيّة نجاحهم في الوصول إلى هذا الهدف.

في المحصّلة، حتى وقت قريب كان الحديث في لبنان عن توازن بين المحورين المتصارعين، يمنع كل فريق منهما عن الذهاب إلى خطوات حاسمة، لكن التهديد في تعديل الموازين اليوم، على ما يبدو، هو الورقة التي يريد كل منهما إستخدامها، سواء عبر رفع ورقة سلاح "حزب الله" أو طرح معادلة الخيارات البديلة والتوجه شرقاً.