حروب الإلغاء بين الافرقاء المسيحيين محتدمة، ولن تتوقف. بل ليس هناك من يمتلك القدرة على لجمها. ولا يترك أي من هؤلاء وسيلة لإزالة الآخر المنافس، وتصفيته سياسيا، وشيطنته إلا ويلجأ إليها. ولو كانت تشيظاتها مدمرة، وتذرر المجتمع. حتى أن الجنوح إلى المكاسرة جعل الافرقاء يتبعون، في تعاطيهم بعضهم مع بعض، المثل العامي: "نكاية بجاري بحرق شروالي". هذا ما يحصل تماما في ظل غياب الحكماء، والمرجعيات الروحية، والرهبانيات الذين كانوا يؤدون دور ضابط الإيقاع، وينظّمون الاختلاف داخل العائلة الواحدة حفاظا على الوحدة والتنوع. فالجميع يشهر سلاحه على طريقة "يا قاتل يا مقتول". وغالبا ما يكون القاتل قتيلا، قبل أن يتسنى له غسل يديه من إثم ما ارتكب.

أخيرا وُئدت محاولة لجمع الزعماء ​الموارنة​ حول وثيقة ثوابت، كان يعتقد واضعوها، أن أحدا لا يعارضها. وُئدت المحاولة في مهدها، لأن الثقة منعدمة، والنيات غير صافية.

بائس هو الوضع المسيحي. "نواطير كرمه" يقتتلون في ما بينهم، فيما السياج يتهاوى، والأيدي تعبث بالعناقيد. وعندما النار تبدأ بالتهام الدوالي، وتحيلها رمادا يرتفع الصراخ، ويكون قد فات الأوان.

اليأس بات سمة عامة عند اللبنانيين، والمعاناة مشتركة في ما بينهم، مع الفارق أن الجميع منصرفون إلى ترتيب بيتهم الداخلي تحسبا لـ"غدرات الزمان" في ضوء التحوّلات الدولية والإقليمية والتبدلات الجوهرية داخل ديموغرافية ​المجتمع اللبناني​، باستثناء المسيحيين الذين يخوضون أشرس المعارك وأشدّها ضراوة، بسبب التنافس الحاد على ​رئاسة الجمهورية​. وأي رئاسة، اذا كانت ستؤول لأحد الطامحين على ركام تضامن مفقود، واحقاد متناسلة. ستبقى ‐والحال هذه‐ عرضة للفخاخ والمكائد. خصوصا ان الرئاسة الأولى، تبعا للطائف، غدت مجردة من صلاحيات أساسيّة تمكنها فعلا من الاضطلاع بدور الحكم. فالصافرة في يد الرئيس لا يبلغ صوتها مسامع من له اذنان، ولا البطاقات الصفراء والحمراء يأبه بها اللاعبون، وهم في غمرة الحرب التي اندفعوا إلى أتونها.

الافرقاء ​المسيحيون​ في حرب، ولو امتلكوا سلاحا، أو توافرت لهم أجواء مناسبة، لكانوا لجأوا مرة جديدة إلى الحديد والنار.

نحمد الله على هذه "النعمة".

وعلى الافرقاء المسيحيين بعد اليوم ألا يستثمروا في وضع الشريحة التي يمثلونها لحصاد شعبيّة ترتكز إلى رمال الغرائز الموسمية المتحركة، أو يشتكوا ويتذمروا من أيّ غبن وتهميش، لأنهم هم من اوصل الامور إلى هذه الحال من التردي والتراجع.

ولا ينبغي أن يكونوا في موقع الشاكي والجاني في آن.

إن الحضور المسيحي في لبنان إلى ضمور متزايد، ولا تجدي المكابرة. وان الجد في معالجة الوضع مفتقد، ويقتصر على تمنيات، أو تحسّر واسف في الاجتماعات المغلقة، لانتقاء روح المبادرة أو العجز عنها.

أن عدم إقدام الافرقاء المسيحيين على ترتيب أولوياتهم، والاتفاق على الخطوط العريضة وطنيا وسياسيا وتحديد القواسم المشتركة التي تحكم قواعد العلاقة في ما بينهم، ستحرم المسيحيين ما تبقى لهم من أوراق. وعندها سيندمون عندما لا يجدي الندم.

عسى أن يسمع من يجب أن يسمع.