إن دلّت جلسة ​مجلس الوزراء​ الأخيرة على شيء، فعلى أنّ الواقع الحكومي أكثر من "مهترئ"، وعلى أنّ أهل الحكومة أنفسهم، قبل خصومهم، يُعِدّون العدّة لنعي حكومةٍ يبدو أنّها بدأت تلفظ أنفاسها الأخيرة، شاء من شاء وأبى من أبى.

في الجلسة، كان ​رئيس الجمهورية​ "يستهجن" عدم تنفيذ قرارٍ صادرٍ عن الحكومة منذ ثلاثة أشهر، ويسأل عن أسباب هذا "القصور"، فيما كان رئيس الحكومة يحمل من جديد على "جوقة" الأبواق السوداء، وفق وصفه، من دون تسميات.

وفي الجلسة أيضاً، كان عددٌ من الوزراء يرفعون سقف التصعيد عالياً، اعتراضاً على أداء حكومةٍ لم تُنتِج كما ألمحت وزيرة الدفاع ​زينة عكر​، وعليها اتخاذ إجراءات عملية وسريعة كما شدّدت وزيرة المهجرين ​غادة شريم​.

وفي حين اختارت وزيرة ​العدل​ ​ماري كلود نجم​ أن ترفع لواء "المواجهة"، بدلاً من "الاستقالة، ثمّة من يسأل، هل من مواجهةٍ ممكنة في ظلّ كلّ التعقيدات الحاليّة؟ وهل تصمد الحكومة أصلاً بانتظار مثل هذه المواجهة؟!.

"انتفاضة ذاتيّة"...

من يطّلع على "محضر" جلسة مجلس الوزراء الأخيرة، وما سبقها وتلاها من "تفاعلات" الوزراء، فضلاً عن القوى السياسية الداعمة افتراضياً للحكومة، لا بدّ أن يشعر، أو ربما يتيقّن، بأنّ خللاً ما أصاب الحكومة، وجعل أهل بيتها أنفسهم يتفوّقون على خصومهم في "​الانتفاضة​" عليها، من رأس الهرم إلى أدناه.

قد تكون مداولات مجلس الوزراء كافية للدلالة على هذا "الخلل"، بعيداً عن الحديث الدائم لرئيس الحكومة ​حسان دياب​ عن مؤامرات وحملات تتعرّض لها حكومته، وعن إنجازاتٍ تبدو بالنسبة للرأي العام وهمية، أو متخيَّلة في أحسن الأحوال، علماً أنّ الرجل لا يزال على موقفه من "تجهيل" المتآمرين، الذين يصرّ على أنّهم معروفون للقاصي والداني.

لكن، أبعد من كلام رئيس الحكومة، الذي يرى البعض أنّه بات ربما من قلّةٍ لا يزالون متمسّكين بالحكومة، فإنّ مداولات الجلسة الأخيرة أظهرت وجود "شكاوى" من قلب الحكومة على عجزها وعدم قدراتها، عجز أضاءت عليه مداخلات الوزيرات نجم وشريم وعكر، اللواتي كان لافتاً أنّهنّ تعمّدن تسريب مضمونها إلى الإعلام، حتى قبل انفضاض عقد الجلسة، ربما على طريقة "تبرئة الذمّة" استباقاً لأيّ طارئ من شأنه أن ينهي عمر الحكومة، ويحوّل أعضائها إلى "متهَمين"، وربما "مرتكبين".

وإذا كان رئيس الجمهورية نفسه بدا "متناغماً" بشكلٍ أو بآخر مع هذا المنطق، باعتراضه على عدم تنفيذ قرارات الحكومة، فإنّ ثمّة من يرى أنّ "الانتفاضة الذاتية" سابقة أصلاً ل​جلسة الحكومة​ الأخيرة، وكان قد انطلق بها وزير ​الصناعة​ ​عماد حب الله​ الأسبوع الماضي، سواء حين توجّه إلى رئيس الحكومة، داعياً إياه إلى تسمية الأمور بأسمائها، أو حين توجّه بالانتقادات إلى ​وزير الاقتصاد​ ​راوول نعمة​، ولو من دون تسميته، على خلفية قضية الأفران وربطة ​الخبز​، تارةً عبر حديثه عن "مهزلة"، وطوراً عبر مطالبته بسحب قراره.

الأفق مسدود!

لا يمكن التعامل مع "انتفاضة" الوزراء على حكومتهم، بعيداً عن شعار "التضامن الوزاري"، أو ربما انسجاماً معه، انطلاقاً من وجوب اعتماد الصراحة والشفافية كمقدّمة لمعالجة الأمور والأزمات، بخفّة أو قلّة اهتمام، لأنّها تدلّ على واقعٍ مُرّ تدركه الحكومة قبل غيرها.

لعلّ الرسالة الأساسيّة خلف هذه "الانتفاضة" تكمن في أنّ الأفق مسدود، مهما قيل أو يُقال أو سيُقال بعكس ذلك، وأنّ الحلول "الترقيعيّة" لم تعد تفيد، كما "المسكّنات" التي من شأنها رفع المعنويّات ليس إلا، من دون أيّ مفاعيل عمليّة، تماماً كما حصل حين "فاخر" رئيس الحكومة بإنجازاتٍ قال إنّها تشكّل 97 في المئة من بيانها الوزاريّ، ولم يصدّقه أحد، ربما لأنّ "الإخفاقات" كانت أكثر من أن تُعَدّ أو تُحصى، بدءاً من "تحليق" ​الدولار​ عالياً، وفقدان ​الليرة​ ما يقرب من كامل قيمتها، وصولاً إلى الغلاء الفاحش وارتفاع معدّلات ​البطالة​ وغيرها.

وتكتسب هذه الرسالة أهمية "مضاعفة" حين يخرج تكتل "لبنان القوي"، الذي تشير بعض المعطيات إلى أنّه بات منقسماً على نفسه نتيجة الأداء الحكوميّ أيضاً، بموقفٍ عالي السقف يحذر فيه الحكومة من تراجع "منسوب إنتاجيّتها"، ملوّحاً بسحب "الثقة" عنها بذريعة أنّها أصلاً "مشروطة ب​تحقيق​ الإصلاحات وإنجاز المشاريع التي من شأنها معالجة الانهيار المالي والاقتصادي"، وهو موقفٌ يفترض أن يُبنى عليه أيضاً، خصوصاً أنّ هذا التكتّل يشكّل "عماد" هذه الحكومة، بل هو صاحب "حصّة الأسد" فيها، ولو سُمّيت حكومة "تكنوقراط".

لكنّ كلّ ما سبق لا يعني، أقلّه حتى الآن، أنّ قرار "الإطاحة" بالحكومة قد اتُخِذ، بل إنّه قد يعني محاولة مكوّنات الحكومة "النجاة" بأنفسهم، بشكلٍ أو بآخر، في وقتٍ يبدو أنّ "الحصانة" الممنوحة للحكومة لا تزال متوافرة، وتحديداً من "​حزب الله​"، بحُجّة عدم وجود "بدائل". ولعلّ هذا بالتحديد ما يطمئن رئيس الحكومة، ويجعله يمضي في ​سياسة​ "القفز إلى الأمام"، وكأنّ شيئاً لم يكن، وهو يدرك أنّ "الحزب" وغيره من الأفرقاء لن يسيروا بخيار إسقاط حكومته إذا كان "الفراغ" البديل عنها، وطالما أنّ المرشح شبه الوحيد لخلافته، رئيس تيار "المستقبل" ​سعد الحريري​، غير مستعدّ حتى الآن لاستعادة مسار "الشراكة" مع "العهد".

الحكومة مُستهدَفة؟!

لم يعد أحد في الحكومة، سوى رئيسها، يسترسل بالحديث عن "مؤامرات" تتعرّض لها الحكومة، ولو كان الجميع مُدركاً أنّ "الحمل" الذي ألقي على عاتق الحكومة أكثر من ثقيل، فيما ينتظرها الخصوم، على كثرتهم، على أبسط الأخطاء للإطاحة بها.

بات الوزراء يشعرون أنّ سياسة "الهروب إلى الأمام" لم تعد تنفع، خصوصاً أنّ الأوضاع في البلاد تتفاقم أكثر، فيما هم عاجزون عن فعل شيءٍ، بل إنّهم يسهمون في زيادة المعاناة في بعض الأحوال، بقراراتٍ غير "شعبيّة"، ولو اضطروا إليها.

إزاء ذلك، قد ينفع القول إنّ الشعب في وادٍ، ورئيس حكومتهم في وادٍ آخر، هو الذي لم يتوانَ عن دعوة المغتربين لضخّ الدولارات في البلد، من دون أن يقدّم لهم أصلاً ما "يضمن" الحفاظ على أموالهم، بعدما فقد ​اللبنانيون​ كلّ الثقة بنظامهم السياسيّ والمصرفيّ، قبل أن يفقدوا ودائعهم التي اعترف دياب نفسه قبل مدّة بأنّها أصبحت "مجرّد أرقام".

الحكومة مُستهدَفة. قد يكون ذلك صحيحاً. لكنّها في المقابل، لم تقدّم حتى الآن ما ينتظره منها اللبنانيون، باعتراف وزرائها، والمطلوب من هؤلاء قبل غيرهم، "المواجهة" من الداخل، ومن دون إبطاء، أو "الرحيل" مع كامل الطقم الحكوميّ، الذي بات "الفراغ" أفضل من بقائه في الظروف الحاليّة، برأي البعض...