سقطت في الأيام الماضية محاولات التغيير أو التعديل الحكومي، التي كان يعمل عليها أكثر من فريق محلي وخارجي، والعامل الحاسم على هذا الصعيد كان موقف "​حزب الله​"، إلا أن اللافت كان ما عبّر عنه رئيس الحكومة السابق ​سعد الحريري​، لناحية عدم تغطيته أيّ شخصية جديدة قد ترشح ل​رئاسة الحكومة​، بعد أن بدأ الحديث عن إمكانية التوافق على تسمية النائب السابق لحاكم مصرف لبنان محمد البعاصيري.

بالتزامن مع هذا الموقف، سعى رئيس الحكومة السابق إلى تعميم مواقف، عبر نواب كتلته، مفادها أنه لن يقبل العودة إلى السراي الحكومي في عهد رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​، في مؤشر إلى أن المشكلة هي في العلاقة مع "التيار الوطني الحر" ورئيسه الوزير السابق ​جبران باسيل​، في حين أن المشكلة الحقيقية مركّبة ولا تنحصر بجهة محلّية محدّدة فقط.

في هذا السياق، ترى أوساط سياسية متابعة، عبر "النشرة"، أن هناك العديد من الظروف التي تمنع عودة الحريري إلى رئاسة الحكومة، تبدأ من العامل السياسي حيث يدرك رئيس الحكومة السابق أن هناك ثمناً يجب أن يدفعه لإعادة وصل ما انقطع مع "التيار الوطني الحر"، حتى ولو كانت علاقاته مع كل من "حزب الله" و"حركة أمل" لا تزال قائمة، فوجود الرئيس عون في قصر بعبدا يعني أنّ العودة تفترض التفاهم معه ومع باسيل.

بالتزامن، اللحظة الإقليميّة التي تمر بها المنطقة حسّاسة جداً لا تحتمل أيّ خطأ في الحسابات، بحسب ما تؤكّد الأوساط نفسها، فالحريري يدرك، أكثر من غيره ربما، أن وجوده في السلطة يجب أن يكون على قاعدة إستثماره علاقاته الدولية، خصوصاً على المستوى المالي، بينما في لحظة الصراع والقطيعة الحالية لا يمكن له أن يكون فريقاً في المواجهة، لا بل لا مصلحة له في ذلك.

من وجهة نظر هذه الأوساط، هناك عوامل أخرى يجب أن تؤخذ بعين الإعتبار، من أهمها عودة السفير السعودي ​وليد البخاري​ إلى الحركة بشكل لافت في الأيام الماضية، في وقت كان الدور التركي يتعاظم بشكل كبير، لا سيّما في عاصمة الشمال طرابلس، وبالتالي من المفترض انتظار بلورة المشهد بشكل أوضح.

إنطلاقاً من ذلك، ترى الأوساط السياسية المتابعة أنّ ثمن أيّ تسوية جديدة قد يقدم عليها قد يكون غالياً، خصوصاً أنه لا يزال يلمس حتى الآن تداعيات التسوية الرئاسيّة التي لم تكن تحظى بالرضى لدى جمهوره، في حين هو نجح بعد الخروج منها في إعادة لم الشمل مع رؤساء الحكومات السابقين، نجيب ميقاتي وتمام سلام وفؤاد السنيورة.

وبالتالي، تعتبر هذه الأوساط أنه لا يمكن أن يغامر الحريري بخطوة من هذا النوع في الوقت الذي تظهر فيه قوى جديدة، داخل الساحة السنية، تسعى للمزايدة عليه، أبرزها شقيقه رجل الأعمال بهاء الحريري، الأمر الذي يدفع إلى وضع خطوط عريضة في مواقفه السياسية، عنوانها الحياد مع ​الثنائي الشيعي​ والتركيز في المواجهة مع "التيار الوطني الحر"، التي يعتقد أنها مربحة شعبياً.

في المحصّلة، تجزم الأوساط نفسها أن أهم ما يمكن الركون عليه على هذا الصعيد، أن الحريري لا يمكن أن يكون في الواجهة في ظلّ ظروف غامضة على المستوى السياسي، خصوصاً أن عودته إلى رئاسة الحكومة، في ظلّ المعطيات الراهنة، لن تساهم في الحدّ من تدهور سعر صرف الدولار ولا بمعالجة الأزمة الإقتصاديّة، وبالتالي ليس هناك ما يمنع الإنتظار لمعرفة ما قد يحصل في المرحلة المقبلة، لا سيما بعد الإنتخابات الرئاسية الأميركيّة على الأقل.