مرّ عقد من الزمن على موجة ما سُمّي "​الربيع العربي​" التي اجتاحت دولاً عربية. بقي ​لبنان​ يتنعّم نسبياً باستقرار أمني ومجتمعي طوال تلك الفترة، التي انقسم فيها ​اللبنانيون​ بين مؤيد ومعارض لثورة أو مؤامرة هنا وهناك. انقسام شعبي حاد عكسَ السياسات الدولية المتبنّاة من الأحزاب الوطنية وتُرجم رسمياً على ثلاثة مستويات: نأي حكومي بالنفس، امن اقتصادي مموّه، ديمقراطية توافقية باسم الوفاق الوطني منفصلة عن الواقع المجتمعي ومحاصصة بين الأحزاب؛ تأسّست على نظام طائفي سياسي واستمرّت عبره.

اليوم، يتعرّض لبنان لأخطر انهيار نقدي واقتصادي شهده تاريخه الحديث، بالتزامن مع توقيت دولي وإقليمي ممنهج لرسم خرائط جديدة بأسلحة اقتصادية.

بعد سقوط أنظمة عربية وصمود بعضها واستمرار الحروب العسكرية في ​فلسطين​، ​سوريا​، ​العراق​، ​اليمن​ و​ليبيا​، تبيّن أن الشعوب العربية باتت وقوداً على مذبح تقاسم المغانم وسواء انتصرت ام خسرت في معاركها التغييرية فالمطلوب إرهاقها لإخضاعها.

بدءاً من ​صفقة القرن​ مروراً بالعقوبات الاقتصادية، إنّ المشروع الأساسي للشرق الأوسط هو : خريطة جديدة تتقاسم فيها الدول الكبرى النفطية نفوذها ومصالحها في المنطقة. ولكن، هل المصالح هي فقط نفطية؟.

فعلياً، تتداخل الاهداف لهذه الحرب الكونية الاقتصادية بين سيطرة عالمية عسكرية واخرى تجارية.

لا شكّ أنّ المشاريع الامتداداية الايديولوجية مستمرّة في أهدافها؛ وهذا واضح وعلني في خطاب أكثر من دولة. تبدو ​تركيا​ على لسان رئيسها رجب الطيب أردوغان على رأس المجاهرين بمشروع "​الاسلام​ السياسي" التمدّدي.

لكن، بالمقلب الآخر، إنّ النزاع الاقتصادي الاميركي-​الصين​ي هو عنوان صراع القرن.

على خلفية سرّ جائحة ​كورونا​ والركود في الاقتصادي العالمي الذي نتج عن انتشارها، تصعّد ​أميركا​ تهديداتها بوجه الصين.

الخلاف التاريخي بين البلدين حول قضية ​بحر الصين الجنوبي​ مستمرّ، والخلاف الحديث حول سباق التقنيات لا يقل خطورة عن سباق التسلح والتسليح. النتيجة لهذا الصراع: انخفاض في نموّ ​الاقتصاد العالمي​.

تدفع الدول النامية والصغيرة أثمانًا باهظة نتيجة هذا الصراع لا سيما في مستوى التراجع بنموها التجاري تبعاً لاعتمادها حكماً على اقتصادات ريعية. لا تبلغ قطاعاتها المنتجة الصناعية النموّ التصاعدي لاسباب تمويلية او تصريفية للانتاج لقلّة الجودة التنافسية في الاسواق العالمية.

لبنان من الدول الفقيرة التي تعيش ساحة خلافات كبرى عدّة ومنها اميركية-صينية.

الفارق بين الجانبين ان الصين تمارس دبلوماسية باردة لا تعتمد على التدخل السياسي المباشر بفائض قوة كما يفعل الجانب الاميركي.

القضية اكبر من سوق تجاري على هذا المسرح، بل النفوذ الاقتصادي التمددي حيث حاولت ​الادارة الاميركية​ إبعاده عن ​البحر المتوسط​ بقوة الحروب العسكرية.

يطلب لبنانيون الاتجاه شرقاً للخروج من أزمات البلد الكارثية. الصين اولى الدول المبادرة باتجاه المساعدة بقطاعات عدّة وكذلك تفعل ​ايران​ و​روسيا​ ولكن، النَفس العام السياسي الداخلي مثله كالخارج. "الاستئثار" في السيطرة الاقتصادية عائق امام كل انقاذ وتقدم. الاساطيل البحرية العسكرية الغربية في المتوسط و​القوات​ الجوية المشتركة في ​الفضاء​ العربي تطوق لا مباشرة هذا البلد الصغير دون اعلان مباشر. الخريطة الجغرافية ​الجديدة​ المرسومة للمنطقة لاعادة تعديل سايكس بيكو سقطت ميدانياً ولكن، هل تحييها الازمات الاقتصادية الحادة ومعارك النفود الاقتصادية؟.

الخريطة الجديدة للبنان المرسومة في صفقة القرن سواء في الواقعين الجغرافي والديمغرافي تقابلها خريطة تركية واخرى روسية وغيرها خليجية الخ...

انها اكبر من حرب جوع بل معركة وجود. صمود لبنان المعزول يبدو صعباً... قد لا ينجح أحد بتعديل خريطته لكنه باق لفترة طويلة كسلاح اساسي لمدافع حروب الخرائط الجديدة.