أشار رئيس الحكومة السابق ​فؤاد السنيورة​ إلى انه "بدون شك، ​لبنان​ يمر الآن بفترة شديدة الصعوبة على الصعد السياسية والوطنية والأمنية والاقتصادية والمالية والنقدية كافة. وللأمانة هذه الأوضاع التي أمسى عليها لبنان. ليست هذه الحكومة هي المسؤولة عنها، وهي التي تولّت المسؤولية منذ قرابة ستة أشهر تقريباً، وإن كانت هذه الحكومة قد أصبحت- وحسب الدستور- هي المسؤولة عن إيجاد الحلول الصحيحة لهذه المشكلات والمصاعب العميقة والمتجذّرة. وهي المشكلات التي تفاقمت وأصبحت صعبة على الحل بسبب الاستعصاء الطويل المدى على الإصلاح الذي مارسته حكومات ومجالس نيابية سابقة وسياسيون لبنانيون، مما أسهم في تردي الأوضاع العامة وتحديداً الاقتصادية والمالية والنقدية للبنان".

ولفت السنيورة إلى أن "القبضة الحديدية التي يمارسها "​حزب الله​" على الدولة و​الحكومة اللبنانية​، بما يحرفها عن ما ينبغي ان تحرص عليه في سياساتها وممارساتها الداخلية والخارجية، وتمنعها من اعتماد السياسات والإجراءات الإصلاحية المطلوبة. وهذه السياسات والإجراءات هي التي يفترض بها أن تخدم وبشكل حقيقي مصالح لبنان واللبنانيين، وتحديداً بعدما فشلت هذه الحكومة في ممارسة حرصها على احترام التوازنات الداخلية الصحيحة والدقيقة حتى يتجنب لبنان الاختلال في هذه التوازنات. كذلك أيضاً حرصها على احترام التوازنات الخارجية فيما يتعلق ب​سياسة​ لبنان الخارجية. تلك التوازنات التي أسهم "حزب الله" في اختلالها وتعطيلها وتدميرها عبر تورطه في الصراعات الدائرة في ​سوريا​ والعراق وفي الكويت واليمن"، منوهاً بأن "حزب الله" في تورطه هذا أقحم ​الدولة اللبنانية​ والحكومة اللبنانية، وكذلك اللبنانيين في هذا التورط، مما سّبب للدولة اللبنانية واللبنانيين بمشكلات كبيرة وأدّت إلى تفاقم علاقات لبنان مع اشقائه في ​العالم العربي​، وبينه وبين أصدقائه في العالم".

كما أفاد بأن "هذه السياسات والتصرفات انعكست على الأوضاع الاقتصادية والمالية اللبنانية وبشكل كبير. وهي قد أدّت إلى هذا الانهيار الكبير في الثقة ما بين اللبنانيين وحكومتهم، وما بينهم وبين فخامة ​رئيس الجمهورية​، وكذلك أيضاً فيما بينهم وبين قسم كبير من السياسيين أيضاً، وهو الذي انعكس بدوره في هذا الانهيار الكبير الحاصل على سعر صرف ​الليرة اللبنانية​ الذي أصبحت له انعكاسات وتداعيات خطيرة على مستوى ونوعية العيش لدى اللبنانيين. وفي المحصلة، بالتسبب في ارتفاع نسب التضخم إلى حدود مخيفة وغير مسبوقة. وأنت تعلم أنّ التضخم الذي يستحكم في اقتصاد أي بلد، فإنه عندها أشبه ما يكون بالمطحنة التي تطحن مستويات عيش الناس، والتي أيضاً تطحن مكوّنات المجتمع وقسماً لا بأس به من قيمه ومبادئه. وذلك ما يدفع بكل من الاقتصاد الوطني و​المجتمع اللبناني​ إلى الغرق في مستنقعات مشكلات كبيرة قد يصبح الخروج منها مستحيلاً ما لم تتم المبادرات الإصلاحية السريعة لإيجاد الحلول الصحيحة من ضمن برنامج يتم اعتماده بالتعاون مع ​صندوق النقد الدولي​".

ونوه السنيورة بأنه "في ضوء ما تقدم أعتقد أن السلطة السياسية هي التي تجعل الدولة فاشلة عندما يكون أداؤها ليس على المستوى الذي تفرضه التحديات الداهمة. وعلى ذلك، فإنّه عندما تتقاعس الحكومة، ويتقاعس ​المجلس النيابي​ والطبقة السياسية عن أن أخذ واعتماد القرارات الصحيحة من أجل تحقيق الإصلاح تصبح الدولة فاشلة"، مشدداً على أن "هذه الحكومة يمكن القول عنها بأنها مظلومة وظالمة في ذات الوقت، لأنها بكيفية تأليفها وبتكوينها وبرئيسها وأعضائها لم تكن وليست على المستوى المطلوب، لا من حيث الكفاءات والمهارات والاحترافية اللازمة لمعالجة المشكلات، ولا في التضامن فيما بين رئيسها وأعضائها كذلك. ولا هي على قدر هذا الوضع الصعب والخطير بما يحمله من تحديات غير مسبوقة لتتمكن من معالجته. كما أنها ليست لديها الإرادة الحقيقية، ولا الرؤية وليس لديها القدرة على اتخاذ القرارات اللازمة".

ومن جهة ثانية، أكد السنيورة أن "الحخكومة وضعت نفسها في موقع القرار، وهي ليست صاحبة القرار. إذ أنّ هناك من هو خارج هذه الحكومة الذي هو يتولى قيادة البلاد حسب ما تمليه عليه مصالحه. وبالتالي، يقودها نحو الاستمرار في السقوط نحو الهاوية"، لافتاً إلى أنه "في هذا الشأن، يسهم فخامة الرئيس الذي يتولى عبر صهره الذي هو ​وزير الخارجية​ السابق ومن اجل تلبية رغبته في الوصول إلى سدّة ​رئاسة الجمهورية​، فإنهما ينسقان ويلتزمان بالأجندة التي وضعها حزب الله. وبالتالي تستمر عبر هؤلاء مجتمعين حالة الاستعصاء على الإصلاح، وبالتالي تستمر الظلامة الواقعة على اللبنانيين وتستمر حالة الانهيار لهذا الوطن الكبير بقيم رسالته التي هي رسالة العيش المشترك ورسالة الحريات والانفتاح والديمقراطية".

وحول وجود ستة اشخاص في لبنان يتحكمون بثروة لبنان ويدفعون بالشعب كله الى حافة الهاوية، أفاد السنيورة بأنه "

لا أدري من هم هؤلاء الستة. هناك فعليا مايسترو أساسي وهو "حزب الله" الذي يضع الأجندة التي تناسب أهدافه وأهداف الدولة الإيرانية وولاية الفقيه، ويحدد ما ينبغي على الحكومة اللبنانية أن تتخذه من قرارات. وهو الذي يوزع المغانم الحكومية على أحزاب الحكومة، وهو عملياً يستند في ذلك إلى ما تقرره له الجمهورية الإيرانية من سياسات وتصرفات وقرارات حكومية تخدم مصالحها. وهذا حرفياً ما يقوله ​السيد حسن نصر الله​ بأن كل تمويل حزبه وكل قراراته وخططه وبرامجه، وكل ما يقوم به ويتخذه يكون استناداً إلى القرارات التي يتخذها السيد ​علي خامنئي​ استناداً للعلاقة الوثيقة التي تربط ما بين "حزب الله" وإيران. وبالتالي، فإنّ القرارات الأساسية يتخذها الحزب ويمليها على فخامة الرئيس الذي بينهما مصالح سياسية تحصل بموجبها إيران على ما تريد من مكاسب سياسية ونفوذ في لبنان".

ولفت السنيورة إلى أن "هذا يؤدي إلى أن تصبح هذه الحكومة مظلومة وظالمة. مظلومة لأنها غير قادرة وغير كفوءة، وظالمة للبنانيين لأنها تمارس هذه القرارات التي لا تأخذها والسلوك الذي تتبعه يؤدي الى زيادة تورّط لبنان في الصراعات الإقليمية، ويؤدي إلى زيادة تعميق الشروخ والاختلالات الداخلية، وزيادة حدة الاختلالات في السياسة الخارجية للبنان. وبالتالي إلى تفاقم المشكلات اللبنانية والانهيارات أكثر بكثير مما كانت عليه قبل توليها المسؤولية"، منوهاً بأنه "في هذا الشأن، يكفي أن ننظر إلى الأمور كيف كانت عندما تولّت هذه الحكومة مسؤولياتها بعد حصولها على الثقة في شهر شباط الماضي، ونقارن كيف أصبحت عليه الأوضاع في لبنان اليوم، وبهذه المقارنة البسيطة نجد ان هذه الحكومة قد أساءت كثيراً الى لبنان، وبأنها لم تكن بالفعل بمستوى السياسات المطلوبة، ولا على صعيد اتخاذ واعتماد القرارات التي تتطلبها دقة الأوضاع وتتطلبها البلاد ويتوقعها اللبنانيون".

بالتوازي، شدد السنيورة على أن "لبنان يستحق ان يساعد من قبل أصدقائه واشقائه، والحقيقة ان الحكومة، وبحسب الدستور هي صاحبة القرار. إلاّ أنّ ما قامت به من ممارسات زاد من حدّة الشروخ والانقسامات الداخلية والخارجية. كما أنها ومن جهة ثانية، وحتى هذه اللحظة هي لم تقم باتخاذ أي قرار يؤدي الى وضع البلاد مرة جديدة بتصويب بوصلته الداخلية والخارجية ولا أن تتخذ الخطوة لأولى لجهة استعادة الثقة. فهي لم تقم بأي عمل يؤدي الى اثبات رغبتها وارادتها بأنها تريد القيام بالإصلاحات المطلوبة. وهذه الإصلاحات لا يمليها الاشقاء ولا الأصدقاء ولا ​المجتمع الدولي​ على الدولة اللبنانية. هم يذكّرون بها وهذا صحيح، ولكن هذه الإصلاحات تلهج بها ألسنة الكثرة الكاثرة من لدى اللبنانيين، ولذلك يؤيدها جميع محبي لبنان من الأشقاء والأصدقاء".

وأشار إلى أن "هناك أموراً يجب على فخامة رئيس الجمهورية ان يبادر فوراً إلى القيام بها اكان ذلك فيما يتعلق في مواضيع قطاعية في ​الاقتصاد اللبناني​، كالكهرباء مثلاً. أم في موضوع تعزيز استقلالية القضاء، أم فيما يتعلق في موضوع ضبط الحدود لمنع التهريب، أم ما يتعلق في موضوع إيلاء المناصب الحكومية الى من هم كُفْأً لها، وغير ذلك كثير"، موضحاً أن "كل هذه الأمور- وللأسف- تعقدت كثيراً مؤخراً نتيجة الاستمرار في هذا الاستعصاء من قبل هذه الحكومة. وبالتالي، فإنّ كلّ الوعود التي تعد بها الحكومة لا تنجلي عن أي انجاز على الاطلاق. ومن ذلك نفهم ما يشهده اللبنانيون من قلق وغضب ونقمة على الحكومة، ونفهم عندها لماذا وكيف حصل هذا الانهيار الكبير في الثقة، ولماذا انهار سعر صرف الليرة اللبنانية، وكذلك لماذا انهار مستوى ونوعية عيش اللبنانيين. وهذا- وياللأسف- ما أصبح عليه الحال الآن في لبنان والذي ينعكس على كل اللبنانيين".

وأوضح أن "الحكومة الآن هي امام امتحان كبير وبالتالي شهدنا كيف ان صندوق النقد الدولي يؤكد مرة بعد مرة للحكومة اللبنانية وللمجلس النيابي أنّه ينبغي عليكم ان تقوموا بالإصلاح الذي أنتم بحاجة اليه وهذه نصيحة كل الاشقاء وكل الأصدقاء للحكومة اللبنانية ولفخامة الرئيس"، مؤكداً أنه "نعرف ان هناك إمكانية للخروج من هذه المآزق التي نحن فيها ولا نقوم بذلك. والسبب في ذلك، أنّ هناك من يمنع لبنان وحكومته من ان يتصرفا بما تمليه عليهما مصلحة الدولة اللبنانية ومصلحة اللبنانيين". ولفت إلى أن "هناك من ورّط لبنان في هذه الصراعات في المنطقة وبالتالي أصبحت بندقية الحزب موجهة إلى صدور اللبنانيين، وصدور السورين والعراقيين والكويتيين واليمنيين وهو يتصرف بوحي من مصالح دولة غير عربية. وبالتالي هم يمنعون لبنان من اتخاذ القرارات التي تلائمه".

وفي السياق، أفاد السنيورة بأن "لبنان قد حاول بدء المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، وأنتم تعلمون ذلك في مصر لأنكم مررتم في مثل هذه التجربة، واستطاع ​الاقتصاد المصري​ ان يخطو خطوات إلى الأمام، وذلك التقدم والازدهار كان نتيجة الخطوات الإصلاحية والجريئة التي اعتمدتها مصر، والتي كانت بالفعل مصر بحاجة إليها وإلى اتخاذها. وهذا بالنهاية انعكس إيجابا على مصر وعلى مستوى ونوعية عيش المصريين"، مشدداً على أن "هناك قاعدة تقول ان الإصلاح تقوم به الأمم عندما تكون بحاجة اليه وليس عندما تصبح مجبرة عليه. لأنها عندما تقوم به وهي مجبرة يكون الإصلاح آنذاك قد بات أمراً عالي الكلفة وشديد الاوجاع. وهذا ما أصبحنا نحن عليه الآن. ولكن هذا الامر، وبالرغم من أنه أصبح معروفا نجد ان هذه الحكومة لازالت تمارس قدرا كبيرا من الانكار وعدم الاعتراف بالحاجات الحقيقية التي يحتاجها لبنان وبالتالي هي تحاول ان تحرف انتباه اللبنانيين عن الأمور الأساسية التي تقض مضاجعهم وتحاول أن تحرف انتباههم نحو ظواهر المشكلات للإلتهاء لها على رؤية أسباب وجذور المشكلات التي أصبحت المسببة الأساس للمشكلات التي مازالت تعصف بلبنان".

واعتبر أن "هناك جهد كبير يجب ان يبذل حتى يستطيع لبنان أن يستعيد الثقة. بداية ثقة اللبنانيين، وأيضاً الأشقاء والأصدقاء في العالم، وبذلك يمكن ان يقتنع أولئك الأشقاء والأصدقاء بأنّ لبنان هو جدير بالمساعدة وانه يستحق ان يساعد على الخروج من أزماته".