الجيش ال​لبنان​ي في عيده الخامس والسبعين، يواجه استحقاقات خطيرة، ومهمات صعبة تتصل بكينونة الوطن ووحدة ارضه شعبه، وسط تداعيات متوالية، توهن مناعته وقدرته على الاستمرار من دون تصدعات.

هذا الجيش يمشي على الجمر، ويسعى لأن يكون سيره مستقيما بين الخطوط الكثيرة التعرج.

كل يريد من الجيش أن يمارس دوره بما يتناسب ونظرته.

ممنوع عليه أن يتسلح إلا من مصدر واحد: ​واشنطن​، أو من الجهة التي ترضى بها.

أسلحة دفاعية غير ردعية، ذات استخدام ووظائف محددة.

ممنوع عليه تنويع مصادر تسليحه، تحت طائلة وقف المساعدات.

ولكن ينبغي الإقرار بأن المساعدات الأميركية تتدفق عليه باستمرار.

وإذا أردنا تقييم الدور الذي يضطلع به الجيش، لوجدنا أنه أكثر المؤسسات الوطنية تماسكا وحضورا وبعدا عن التجاذبات السياسية، والمناخات المذهبية البغيضة التي تقتحم المشهد السياسي هذه الايام.

والجيش الذي اعترفت واشنطن بفاعليته في ضرب ​الإرهاب​ والتصدي له في نهر البارد، ​جرود عرسال​، ​القاع​، والقدرة الاحترافية لمخابراته على كشف الخلايا العاملة في الداخل لمصلحة "​الموساد​" الاسرائيلي، وتلك التكفيرية النائمة بعمليات استباقية نوعية، يدرك أصول اللعبة الداخلية ولا يتجاوزها، ويضع حدودا واضحة بين الممكن والمستحيل انطلاقا من مقتضيات ​السلم الأهلي​ وما ينتج منه وما يترتب عليه.

من هنا يفسر امتناع قيادته عن الاستجابة لضغط أميركي يريد منها الموافقة على تغيير قواعد الاشتباك في ​جنوب لبنان​ والانخراط فيه عمليا، واحداث أمر واقع يضع الجميع أمامه، ولو من دون اللجؤ إلى اتفاق سياسي.

الجيش يعرف تماما أن وحدته أمضى من ​السلاح​ الذي يتلقاه، وأنه ضمانة وحدة لبنان أرضا وشعبا ومؤسسات، وهو لن يفرط بها في ذروة احتدام المواجهة الإقليمية، وفي لحظة دولية ملتبسة، مفتوحة على تطورات وتحولات.

ومع ذلك لم توفر سهام بعض السياسيين، و"لطشاتهم" ​المؤسسة العسكرية​، وكانت عرضة للتحريض من قبل جهات متعددة، ولم يتوان متظاهرون من استخدام نابي الكلام في حق عناصرها، عندما كانوا يحافظون على أمن ​التظاهرات​، ومنع عمليات التخريب.

ارهق الجيش في الأشهر الماضية أيما ارهاق، لكنه بقي أمينا على ثوابته في الدفاع عن وحدة لبنان ومواجهة أي سعي لخلخلة قواعد السلم الأهلي.

كانت معاناته كبيرة، لكن مقاومته للضغط كانت أكبر، لأنه يعرف تماما فداحة الأثمان التي سيدفعها ​اللبنانيون​ جميعا، في حال التسليم به.

قد يكون مبالغا فيه اذا كررنا، ما سبق وقيل عن أن "الجيش هو الحل". إلا أن المسلّم به أن الجيش هو الضامن لأي حل يتوافق عليه اللبنانيون والصائن له.

يتبع آلاليات الدستورية والقانونية، يقول كلمته ويقدم دراساته والخلاصات.

ولا يتعدى هذه الحدود. فثقافته غير انقلابية. وهذا مفتاح قوته في منطقة اعتادت لعقود على مثل هذه الثقافة. لكن ذلك لم يمنع أن ​قيادة الجيش​ رفعت صوتها غير مرة أمام ​السلطة​ السياسية منبهة ومحذرة وداعية إلى اعتماد مقاربات واضحة وشفافة للخروج من الأزمات المتفاقمة، ومقاومة ​الفساد​.

تقاريرها هي الأكثر واقعية، لأنها صادرة عن مؤسسة منتشرة على جميع الأراضي اللبنانية وعلى تماس مباشر مع الناس ومعاناتهم.

الجيش في عيده يسابق الاستحقاقات ويقف على صفيح ساخن، يواجه الرياح العاتية، في ظل ظروف داخلية غير مؤاتية، تزيدها تأزما الانقسامات العامودية، وما تتسبب به من شروخ يطاول لبنان في مرتكزات وجوده. وأن نجاحه في تخطي الامتحان، يفتح كوة امل في الجدار المسدود.