منذ 41 عاما، قررت مصر إقامة ​السلام​ مع ​اسرائيل​ والتطبيع معها، فانتفض العرب، وعلّقوا عضوية ​القاهرة​ في ​جامعة الدول العربية​، وتمسكوا ب​الصراع العربي الاسرائيلي​ الذي بدأ يوم قررت اسرائيل قضم ارض ​فلسطين​، والدخول في حروب مع أهل المنطقة، فصمد العرب حتى العام 1993 عندما اعترفت ​منظمة التحرير الفلسطينية​ بحق ​إسرائيل​ بالوجود في ​اتفاقية أوسلو​، فتشجعت ​الأردن​ ودخلت في سلام مع اسرائيل عام 1994.

عندما وقّعت مصر إتفاق السلام كان الهدف بحسب المسؤولين فيها، حماية فلسطين، ونصر ​القضية الفلسطينية​ عبر الوصول الى حل يرضي الطرفين، ولكن اليوم بعد 40 عاما يظهر ان اسرائيل زادت في احتلالها؟!.

حتى العام 2012، كان الصراع العربي الإسرائيلي لا يزال قائما بشكل رسمي، مع العلم أن بعض الدول العربية كانت تنسّق سرّا مع اسرائيل، سواء بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر، ولكن في العام 2012 حصل أمر مهم، بين ​السعودية​ واسرائيل، إذ استعانت ​الرياض​ بشركة إسرائيلية مختصة في مجال ​الأمن​ الرقمي، لحماية منشآت شركة أرامكو، وكان ذلك بداية مسار طويل من العلاقات التي لم تصبح رسمية بعد، ولكنها خرجت من نطاقها السري الى العلني.

بالتزامن كان قد بدأ الصراع العربي-ال​إيران​ي يتوسّع من البوابة السورية، فأصبحت إيران عدوّة بالنسبة للدول العربية، وخطر مشروعها يفوق خطر المشروع الإسرائيلي، وبات التعاون مع اسرائيل بالنسبة للحكام العرب هو أحد الحلول المطروحة للتصدي للمشروع الإيراني، وهذا ما غذّته الإدارة الاميركية طيلة سنوات، وصولا الى اليوم، حيث أصبحت علاقات ​الإمارات​ باسرائيل علاقات طبيعية رسمية، ويبدو أن عددا من الدول العربية سيلتحق بالقرار الإماراتي قريبا جدا.

إن هذا التطبيع العربي الإسرائيلي يسبب الضرر الى ​الجمهورية​ الإسلامية، سواء من الناحية الأمنية، او السياسية، وحتى ​الإقتصاد​ية. وبالتالي، تخوّف إيران من سلسلة التطبيع هذه أبعد من مجرد القضية الفلسطينية، بل هي خوف على أمنها القومي.

بداية من الإقتصاد، تعتبر الإمارات من أبرز الشركاء الإقتصاديين مع إيران. ومن هنا يظهر التخوف الإيراني من أن يكون التطبيع وسيلة إضافية للضغط الإقتصادي على ​طهران​ عبر منع التجارة بين البلدين. وحسب منظمة ​الجمارك​ الإيرانية، فقد بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين حتى نيسان الماضي، 13.5 مليار ​دولار​، كما تعد الإمارات ثاني أكبر شريك تجاري لإيران بعد ​الصين​، إضافة لوجود نصف مليون رجل أعمال إيراني في الإمارات. وعقب الإعلان عن التطبيع، أعلنت ​وزارة الخزانة الأميركية​ فرض عقوبات على شركتين مقرهما الإمارات لقيامهما بتوفير قطع الغيار وتقديم خدمات لوجستية لشركة الطيران الإيرانية "ماهان إير"، ما ينذر بأن هذا التطبيع ستمتد آثاره على إيران.

لذا يُمكن القول أن طهران غير قادرة على خسارة ​مدينة دبي​ الإماراتية، التي لا تبعد عنها أكثر من 150 كيلومترًا، كطريق لتجارتها الخارجية، خاصة بعد ​العقوبات الأميركية​ عليها، طالما لم تجد حتى الآن أي خطر أمني عليها.

سياسياً، لهذا التطبيع آثار سياسية على النفوذ في المنطقة، خصوصاً وأن الركيزة السياسية لإيران هو العداء لإسرائيل، وبالتالي في حال سارت معظم الدول ​الخليج​ية في سلسلة التطبيع، سيكون هذا العداء ل​تل أبيب​ سبباً في عدائها مع باقي الدول في المنطقة. وبالتالي مخاوف إيران لا تقتصر على الإمارات وحسب، فهناك توقعات بأن تحذو حذوها عدد من ال​دول الخليج​ية، على رأسها ​البحرين​ و​المملكة العربية السعودية​، وهذا يعني مضاعفة الخطر الأمني من جهة، وخسارة المزيد من النفوذ الإيراني من جهة أخرى، دون أن تستطيع طهران الرد.

عسكرياً وأمنياً، يشكّل التطبيع خطراً أمنياً قومياً على إيران، إذ ان اسرائيل قد باتت فعلياً على مرمى حجر من الجمهوريّة الاسلاميّة. ورغم تواجد إسرائيل على الحدود الإيرانية من جهة ​أذربيجان​ التي طبّعت في الماضي مع تل أبيب، إلا أن تواجدها على حدود الخليج، المنفذ الأساسي لإيران، قد يشكّل تهديداً كبيرا على الأمن في طهران. والجدير بالذكر أن هناك خلاف بين الإمارات وإيران حول ثلاث جزر كانت ​بريطانيا​ قد منحتها لإيران في زمن الشاه رضا بهلوي، وهي جزيرتا طنب الكبرى وطنب الصغرى التابعتان لإمارة رأس الخيمة و​جزيرة أبو موسى​ التابعة لإمارة ​الشارقة​. لذا، هذا التواجد الإسرائيلي سيمنح الإمارات قوة إضافية في ظلّ هذه الخلافات الموجودة بين البلدين.

من الواضح أن دول الخليج اختارت أن تواجه ما تسميه "التمدد الإيراني" عبر التصالح العلني مع إسرائيل لضرب ​النظام الإيراني​ مستفيدين من التفوّق الإسرائيلي سياسياً وعسكرياً، واتساع نفوذها في الغرب و​الولايات المتحدة الأميركية​. لكن كيف ستواجه إيران هذه المرحلة ​الجديدة​، وكيف ستتعامل مع هذا الواقع الجيو-سياسي الجديد؟.