لا يمكن فصل المواقف التي عبّرت عنها ​الكتل النيابية​ الداعمة لرئيس الحكومة المكلف ​مصطفى أديب​، في الإستشارات النيابية غير الملزمة في عين التينة، عن المسار الذي يقوده الرئيس الفرنسي ​إيمانويل ماكرون​، فهي أظهرت "تعففاً" غير مسبوق في ما يتعلق حيال المطالبة بالحصول على الحصص الوزارية ونوعيتها، الأمر الذي تُرسم حوله الكثير من علامات الإستفهام، بالنسبة إلى رؤيتها لواقع الأزمة المحلية.

في حصيلة زيارة ماكرون، دعوة إلى القوى السياسية لقيادة إنقلاب على الذات غير مفتوحة المهلة، فهو وضع لهذه القوى مهلة زمنية، لا يمكن تجاوزها، ل​تشكيل الحكومة​ خلال اسبوعين، والقيام بإصلاحات، قبل عودته إلى بيروت في شهر كانون الأول المقبل.

من وجهة نظر مصادر سياسية متابعة، قد يكون من الصعب تصور أن القوى اللبنانية جاهزة لمثل هذه الخطوة، فهي قبل أشهر قليلة كانت تحاول التملّص من أيّ إلتزام على هذا الصعيد، من خلال العمل بالإلتفاف على كل المطالب الشعبية بالإصلاح و​محاربة الفساد​، لكنها اليوم تواجه معادلة "العصا والجزرة" الفرنسية، فالإصلاح مقابله سعي باريس إلى تأمين الحصول على مساعدات مالية يحتاجها لبنان من ​المجتمع الدولي​، بينما الإستمرار بالنهج الماضي سيقابله الوضع على لائحة العقوبات، وبالتالي تضرّر المصالح الخاصة لتلك القوى.

في هذا السياق، ترى المصادر نفسها أن الوعود التي قطعتها تلك القوى، أمام الرئيس الفرنسي، توحي بأنها أدركت، أو على الأقل غالبيتها، أنها وصلت إلى خط النهاية، وبالتالي عليها الذهاب إلى تقديم مجموعة من التنازلات للإستمرار في السلطة، مع العلم أن البعض منها لا يزال يسعى للإستفادة من الحراك الفرنسي للتسويق لخياراته السياسية فقط لا غير، وبالتالي يريد التعامل مع الواقع المستجد على قاعدة المنتصر.

وحسب رأي هذه المصادر، تلك القوى لم تكن راغبة، طوال الفترة الماضية، بالوصول إلى هذه المرحلة التي تظهر فيها بموقع الضعيف، وكانت تسعى، كل من موقعها، إلى وضع ما يحصل في البلاد في سياق المؤامرات أو الإستهداف الذاتي، بالرغم من حالة الإنهيار المالي والإقتصادي التي وصلت إليها البلاد، والتي فاقمها الإنفجار الذي وقع في مرفأ بيروت في الرابع من الشهر الماضي، ما يعني أن ما قد تقدم عليه، في المرحلة الراهنة، يأتي في إطار سعيها إلى حماية نفسها قبل أي شيء آخر.

إنطلاقاً من ذلك، تشير أوساط سياسية، عبر "النشرة"، إلى أن ما يحصل لا يأتي في إطار صحوة ضمير من قبل هؤلاء، طالما أن التنازلات التي ينوون تقديمها لم تأتِ إلا بعد تعرضهم لتهديدات علنية ومذلّة، مع الأخذ بعين الإعتبار بأنّ الدور الفرنسي، أو أيّ دور خارجي آخر، لا يأتي في إطار الحرص على ​الشعب اللبناني​، بل في سياق البحث عن تحقيق مصالح خاصة، منها ما هو مرتبط بالصراع القائم على مصادر الطاقة في البحر المتوسط، ومنها ما هو مرتبط بالسعي إلى لعب دور إقليمي في الشرق الأوسط.

وتلفت الأوساط نفسها إلى أنّ بعض تلك القوى تتحدث عن أن الحراك الفرنسي مرحليّ، أيّ أنّ الهدف الأساسي منه تمرير الوقت الضائع لحين الإنتهاء من الإنتخابات الرئاسيّة الأميركيّة المقرّرة في شهر تشرين الثاني المقبل، ما يوحي بأنّ التنازلات التي تقدّمها تأتي في هذا الإطار لا أكثر، وبالتالي هي تراهن على العودة إلى المسار الماضي بعد الإنتهاء من الإستحقاق الأميركي، بعد وضوح الصورة على مستوى المنطقة بشكل أفضل.

في المحصلة، يمكن وصف ما يحصل اليوم على مستوى الأزمة اللبنانية بالسعي إلى تمرير المرحلة بأقل قدر ممكن من الخسائر، من وجهة نظر القوى السياسية الداعمة للمسار الفرنسي، في حين أن القوى الأخرى تراهن على عدم نجاح هذا المسار بشكل كامل، وبالتالي الحديث الجدي سيكون بعد ​الإنتخابات الرئاسية الأميركية​، أي عندما تظهر رؤية واشنطن بشكل أوضح، سواء بالنسبة لهامش الضوء الأخضر الذي حصل عليه ماكرون، أو بالنسبة لكيفية التعاطي مع إيران.