بغض النظر عن المناوشات التي لا تزال ترافق عملية ​تأليف الحكومة​ في لبنان، يمكن الجزم بأن ​فرنسا​ نجحت في الوصول إلى إتفاق وقف إطلاق نار في هذا البلد، تُرجم بشكل أساسي بالإتفاق على تسمية السفير اللبناني في إلمانيا ​مصطفى أديب​ رئيساً مكلفاً ب​تشكيل الحكومة​ المقبلة.

هذا الإتفاق، تضمّن توافقاً بين كل من "​التيار الوطني الحر​" و"​حزب الله​" و"​حركة أمل​" وتيار "المستقبل"، قرّر رئيس "​الحزب التقدمي الإشتراكي​" النائب السابق وليد جنبلاط الإلتحاق به، في حين فضل حزب "القوات اللبنانية" البقاء بعيداً عنه، الأمر الذي دفعه إلى عدم تسمية أديب والإصرار على خيار السفير السابق نواف سلام في الإستشارات النيابية الملزمة.

في الأوساط السياسية المحلية، شبه توافق على أنّ التسوية الفرنسيّة مرحليّة، أيّ أنّ مهمتها من المفترض أن تنتهي بعد الإنتخابات الرئاسيّة الأميركيّة المقرّرة في شهر تشرين الثاني المقبل، أو بالحدّ الأقصى لحين الانتهاء من ترتيب الرئيس الأميركي المقبل لملفّاته، أي معرفة هويته، إدارته التي ستتولى زمام الأمور على مدى 4 سنوات، ليفتح بعد ذلك الحديث عن سياسات ​الولايات المتحدة​ في العالم ومنطقة الشرق الأوسط تحديداً.

في هذا السياق، تشير مصادر سياسية متابعة، عبر "النشرة"، إلى أن هذا الواقع يتأكد من خلال إبعاد الرئيس الفرنسي ​إيمانويل ماكرون​ الملفّات الإستراتيجيّة الخلافيّة عن دائرة المفاوضات، سواء تلك المتعلقة بسلاح "حزب الله" أو دوره على مستوى المنطقة، أو حتى الحديث عن نظام جديد في لبنان، والتركيز على العناوين غير الخلافيّة، كضرورة الإسراع في تشكيل حكومة تتولى التفاوض مع صندوق النقد الدولي والقيام بالإصلاحات اللازمة.

وتلفت هذه المصادر إلى أنّ هذا يعني، دون أدنى شك، أنّ باريس لا تملك القدرة على حلّ الخلافات المحليّة ذات الأبعاد الإقليميّة أو الدوليّة، لكنها نجحت في إستغلال الإنشغال الأميركي بالإنتخابات الرئاسيّة لتقديم مبادرة تقوم على وقف الإنهيار الحاصل على المستوى اللبناني، أو بتعبير أدقّ الحدّ من سرعته بعد الإنفجار الذي وقع في مرفأ بيروت في الرابع من آب الماضي، تتماهى مع مصالحها في ظلّ الصراع القائم على مستوى منطقة البحر المتوسط على مصادر الطاقة.

بالنسبة إلى هذه المصادر، فانّ تحديد ماكرون موعد زيارته الثالثة إلى لبنان في شهر كانون الأول المقبل لم يأتِ من فراغ، فزيارته الأولى جاءت مباشرة بعد إنفجار المرفأ لمنع تدهور الأوضاع أكثر، أما الثانية فكانت قبل الدخول الأميركي الرسمي في السباق الرئاسي للدفع نحو الإتفاق على اسم رئيس الحكومة المكلّف، بينما زيارته الثالثة ستكون بعد حسم هويّة رئيس الولايات المتّحدة المقبل، الأمر الذي يؤكّد أن الرئيس الفرنسي أيضاً يراهن على هذا الإستحقاق في رسم سياسته تجاه لبنان.

من وجهة نظر مصادر سياسية أخرى، لم يقدّم الأفرقاء المحليين أو الخارجيين المعنيين بالملف اللبناني، بموجب التسوية الفرنسية الحالية، أي تنازل يعتدّ به، حيث أن قوى الأكثرية النيابية لم توافق حتى على مطلب الذهاب إلى إنتخابات نيابيّة مبكرة، بينما الفريق الآخر كان يحكمه الانقسام بسبب عدم وضوح موقف الجهّة الإقليميّة الراعية له، حيث قرّر رؤساء الحكومات السابقين الذهاب إلى التسوية إنطلاقاً من قناعة بأنّ تلك الجهة لا تعارض المبادرة الفرنسية، بينما قرّرت قوى وشخصيّات أخرى الوقوف بوجهها، متحدّثة عن إتفاق إيراني فرنسي لم يأخذ المطالب العربيّة بعين الإعتبار.

وبالتالي، ترى هذه المصادر أنّ الحسم سيكون بعد الإنتخابات الرئاسيّة المقبلة، لكنها تشير إلى أنّ ذلك لن يكون عملياً قبل شهر شباط من العام 2020، خصوصاً إذا ما فاز في السباق المرشح الجمهوري ​جو بايدن​، وبعد ذلك يمكن معرفة توجّه الإدارة الأميركية في التعامل مع ملفات الشرق الأوسط بشكل عام والملف اللبناني بشكل خاص، مع الأخذ بعين الإعتبار أن هناك شبه توافق بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الكونغرس حول لبنان، إنطلاقاً من إرتباطه بأمن ومصالح إسرائيل.

في المحصّلة، ما يحصل على الساحة المحلّية، في الوقت الراهن، هو عبارة عن وقف إطلاق نار أو وقف للعمليّات الحربيّة لا أكثر، بإنتظار الإنتهاء من الإنتخابات الأميركيّة التي ينتظر الجميع ما ستنتجه على مستوى إدارة البيت الأبيض، لكن هذا لا يعني غياب بعض المناوشات بين الأفرقاء اللبنانيين، سواء الذين دخلوا في التسوية أو فضلوا البقاء خارجها.