ترتكز عملية تأليف أيّ حكومة ​لبنان​ية؛ بعد ​التعديلات الدستورية​ لسنة 1990، ووفقاً لما نصّ عليه الدستور والعرف؛ على ثلاث جهات أساسيّة: وهم الرئيس المكلّف، و​رئيس الجمهورية​، (وأمّا رئيس ​المجلس النيابي​ عن طريق إطلاعه على نتائج المشاورات النيايبة)، و​الكتل النيابية​ ذات التمثيل الواسع لطوائفها.

فقد قام النّظام السياسي اللبناني بعد الطائف بشكل مختلف عما قام عليه في ظلّ دستور 1926، فقد كان أمر إختيار رئيس ​الحكومة​ وإختيار الوزراء مرهوناً بيد رئيس الجمهورية، الذي كان يمثّل رأس السّلطة التنفيذية، بمشاركة عرفية من قبل رئيس الوزارة.

تحوّل النّظام اللبناني من الثنائية التنفيذية إلى الجماعية التنفيذية بعد الطائف، فمنذ ميثاق 1943 كانت تنحصر برئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، وأما بعد الطائف أصبحت السّلطة جماعية فلم يعد هناك أحادية أو ثنائية، وعزّزت صلاحيات رئيس المجلس النيابي ومدّة ولايته، فتحوّل دور رئيس السلطة التشريعية إلى دور وطني فعّال ومؤثّر في حلّ الأزمات السياسية في لبنان. ولكن بالرغم من ذلك، بقي النّظام قاصراً عن تحقيق المساواة دون إلغاء للطائفية السياسية.

أصبحت هناك مشاركة بين الطوائف أدرجت في نصوص الدستور (المساواة في عدد النواب، والوزراء والمدراء العاميين)، وأصبحت إدارة شؤون الحكم في ظلّ هذا النّظام الجديد تقوم على حكومة تتمثّل بها مختلف الطوائف في لبنان وذلك من أجل المحافظة على الميثاقية (استثناءً لما ﺁلت إليه الأوضاع في ظلّ حكومة الرئيس السنيورة وفقدانها للميثاقية الشيعية). فطبيعة النّظام السياسي القائم، لا تسمح لأكثرية ذات لون مذهبي معيّن، بالحكم منفردةً دون وجود تمثيل سياسي فاعل في مجلس الوزراء اللبناني للطوائف، وإلاّ كانت الميثاقية في خبر كان وبالتالي انتهكت أهمّ قاعدة للحكم في لبنان.

كرّس ​إتفاق الطائف​ العرف الطائفي بنص دستوري مكتوب، لكنه أضاف أيضاً عرفاً آخر غير مكتوب أتى بمثابة حل لمطالبة ​الطائفة الشيعية​ بتمثيلها في «توقيع» القوانين، فتكون شريكة بالقرار على صعيد السّلطة التنفيذية.

ويعود موضوع مشاركة الطائفة الشيعية في السّلطة التنفيذية إلى مطالبات نادى بها السّيد موسى الصّدر في إعطاء ​وزارة المالية​ إلى الطائفة الشيعية. وفي محادثات السّلام الّتي عقدت في جنيف ولوزان، اقترح رئيس المجلس النيابي دولة الرئيس "نبيه بري"، أنذاك باستحداث منصب نائب رئيس الجمهورية وإسناده إلى الطائفة الشيعية، الأمر الّذي يشركها في توقيع القوانين، وكان هذا الأمر قبل توقيع إتفاق الطائف، ولكنّ هذا المطلب لم يكتب له النّجاح بحجّة مخالفته النظام البرلماني، وعدم وجود منصب نائب رئيس الجمهورية. وبعد الدخول في مناقشات إقرار وثيقة الوفاق الوطني جدّد رئيس المجلس النيابي السابق "حسين الحسيني نفس المطلب إلاّ أنّه لم يؤخذ به.

ولكن أستعيض عن ذلك، عبر إجراء تسوية في كواليس المناقشات، أفضت إلى التعهّد بإعطاء وزارة المال إلى الطائفة الشيعية وبالتالي إشاركها بتوقيع القوانين وتكون شريكة في القرار على صعيد السّلطة التنفيذية. وعلى وجه الخصوص، فإنّ النّظام السياسي وفي ظلّ تعدّد الطوائف يقوم على الميثاقية في الحكومات المتعاقبة.

إذاً لا يمكن إدخال وزارة المالية في المداورة، وفقاً لما هو مطروح اليوم في عملية تأليف حكومة الرئيس المكلّف الدكتور "مصطفى أديب".

بالنسبة لدور الأحزاب السياسية في المشاركة واختيار ممثّليها في الحكومة، لها كامل الحقّ في هذا الأمر، وذلك يكون حرصاً على التمثيل الطائفي.

فا في الحكومات المتعاقبة وحفاظاً على الميثاقية، دائماً ما كانت الحكومات تتألف من فئتين من الوزراء:

الفئة الأولى: من يتولى وزارة ذات حقيبة.

الفئة الثّانية: من يتولّى الوزراة دون حقيبة، ويطلق عليهم وزراء دولة (منهم من يتولى مهام إدارية، ومن لا يتولون أيّة مهام إدارية).

وطالما أنّ إيجاد هكذا وزارات ضمن التشكيلات الوزارية، لماذا الإصرار في يومنا هذا على التأليف من قبل جهة واحدة؟ فالميثاقية أيضاً تعني حقّ كل طائفة في اختيار وزرائها.

جاء التدخل الدولي المباشر في زواريب السياسة اللبنانية بعد إنفجار مرفأ بيروت، وتكليف رئيس جديد لتشكيل الحكومة اللبنانية، ليؤدّي إلى تدخّل فرنسي مباشر في حيثيات التأليف، ومتابعة ذلك من قبل الرئيس الفرنسي "إمانويل ماكرون" ومن خلفه الدول المؤثّرة.

ووفقاً لأحكام الدستور تعكس تركيبة مجلس الوزراء الطائفية التركيبة الاجتماعية الطوائفية في المجتمع السياسي اللبناني. فالتمثيل السياسي والطائفي، على مستوى المؤسسات الدستورية أو ما يعرف "بالطائفية السياسية"، له جذور تاريخية تعود إلى مرحلة خضوع لبنان للسلطنة العثمانية مروراً بمرحلة الإنتداب الفرنسي إلى وقتنا الراهن.

ويعود لأيّ فريق سياسي في لبنان بعد إتفاق الطائف الصلاحية في إختيار الوزراء والحقائب الوزراية، وأصبح هذا الأمر من الأعراف والمسلّمات الأساسيّة في تشكيل أيّ حكومة. فالجهات المعنية بشكلٍ مباشر بتشكيل الحكومة ووفقاً لما نصّ عليه ​الدستور اللبناني​ هما رئيس الجمهورية والرّئيس المكلّف والأحزاب السياسية ذات التمثيل الواسع لطوائفها، حيث اعتمد في الحكومات المتعاقبة ثلاثية في عمليات التأليف.

بينما نجد من خلال متابعتنا لعملية التأليف لحكومة الدكتور "مصطفى اديب"، وأراء بعض الجهات السياسية يجري العمل على نسف هذه المسلّمات.

وقدّ تمّ تقنين صلاحيات رئيس الوزراء العرفية في نصوص دستور 1990، من هذه الأعراف اعتبار رئيس مجلس الوزراء رئيسا للحكومة، ويجري الاستشارات النيابية لتشكيل الحكومة المواد (64 و53/4) من الدستور اللبناني. فتحت أيّ عنوان يجري الإستشارات النيابية لتأليف الحكومة، لولا حقّ الفرقاء السياسيين باختيار ممثليهم في مجلس الوزراء.

فالنظام السياسي اللبناني قائم على الميثاقية وتلقائياً الحكم الجماعي لممثّلي الطوائف، فيكون أيّ أمر مؤثّر في مسيرة هذا البلد السياسية والاقتصادية خاضع لحكم التوافق، وهذا ما ينطبق على عملية تأليف حكومة الرئيس المكلّف الدكتور "مصطفى أديب"، وهذا ما يجب أن يخضع له التدخل الدولي من خلال الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون". فا في ظل النظام التوافقي، يعود لممثلي الطوائف الحقّ باختيار وزرائهم في الحكومة. وبغض النّظر عما لذلك من تأثيرات على الوضع السياسي العام، إلاّ أنّه أفضل الممكن إلى حين الإنتقال إلى الدولة المدنية.