لم يعد رؤية مشهد أشخاص يفترشون الشوارع غير مألوف، ف​الأزمة​ الإقتصادية وإنتشار وباء "كورونا" غيّرا مجرى حياة كثيرين، ففي الواقع ​لبنان​ بوجهه الحالي لم يعد كما كان سابقًا، فكلّ ما حدث أزال وجود طبقة متوسطة لتصبح الأغلبية من الفقيرة بينما البقيّة هم من الأثرياء.

لنعد الى "المثل الشائع" الذي يقول إن الفول والحمص والعدس والفاصوليا هم أطعمة الفقير، وفي ظلّ هذه الأزمة التي تمرّ بها البلاد وغلاء الأسعار وارتفاع ​سعر الدولار​ الجنونيلم يعد ممكنا استعمال هذا المثل أو حتّى تطبيقه، فحتى شراء الحبوب بات يُحسب له حساباً. حالياً، بالكاد تستطيع أي عائلة شراء الأمور الضروريّة التي تحتاجها فيما هناك من أصبح يبحث عن لقمة ​الخبز​ والمسكن فلم يجد الا رصيف الشارع مسكنا لهم... وهذا هو البؤس بحدّ ذاته.

(م، أ، م) رجل بالغ في العمر يفترش أحد شوارع العاصمة، وفي زاوية من زواياه صنع له منزلاً خاصاً وضع فيه سريره وطاولة ومجموعة أغراض فتحوّل هذا المكان الى منزله. يروي (م، أ، م) لـ"النشرة" أنه "انتقل الى الاقامة على رصيف الشارع منذ ستة أشهر بعد أن تهدّم منزله في الجديدة-البوشرية، السدّ".

"ما حدث لي ناجم عن ظلم ​الدولة​ وظلم الناس في آن". هذا ما يؤكده (م، أ، م)، مشيراً الى أن "خلف اقامته في الشارع قصّة بطش مجموعة من الأشخاص اشترت الارض حيث كان يسكن وقامت بهدم المنزل دون معرفة الأسباب"، مضيفا: "منذ ذلك الوقت أصبحت بلا مأوى، ولأن الأفق كان مسدوداً ولا مال لدي لإستئجار منزل آخر كان رصيف الشارع هو المخرج الوحيد، أما للمأكولات فرواية أخرى هي قصّة "المحسنين" على حدّ ما يصفهم الذين يحضرون اليّ حاملين معهم الطعام اليومي".

لـ(ي،ب) أيضاً قصّة أخرى، هو الذي إكتفى بفرشة على الرصيف للنوم عليها بعد أن قضت ​الكورونا​ على كلّ ما تبقى لديه من آمال في استئجار منزل للسكن فيه. يعمل يوسف في "الانتيكا" في ​سوق الأحد​ ومنذ بداية تفشي الفيروس والاقفال المستمرّ توقّف عمله ولم يعد يستطيع أن يدفع إيجار المنزل الذي كان يعيش فيه، فانتقل للنوم في الشارع. يشير (ي،ب) الى أن "​الحياة​ مع ​الوضع الاقتصادي​ والوباء صعبة وهي قضت علينا بشكل كامل فأصبح الأفق مسدودا وكان الشارع هو المخرج الوحيد"، مضيفاً: "أعوّل على الجمعيات التي تحضر باستمرار لمساعدتنا وهي تؤمّن لنا الطعام الذي قد نتناوله لعدّة أيام ربما"، مشددا على أننا "لا نعرف ماذا ستكون عليه الأحوال غداً".

مع اقتراب فصل ​الشتاء​ "المصيبة" ستكون أكبر، فحتى المكوث في الشارع سيكون صعباً... ليبقى السؤال الأهم: "ما مصير ومستقبل الناس في بلد بات حتى العيش بأقل الممكن مستحيلاً"؟... وحدها "الأعجوبة" تضع حداً للنفق المظلم الذي دخل لبنان فيه، فهل تحصل؟!.