على الرغم من توقف البحث الفعلي في الملف الحكومي، بعد إعتذار السفير اللبناني في برلين ​مصطفى أديب​ عن المهمة، إلا أنّ ما حصل كشف عن معادلة أساسية تتمسك بها أغلب القوى الفاعلة، لا سيما تلك التي تنتمي إلى قوى الأكثرية النيابية، أيّ التأليف قبل التكليف، نظراً إلى أنّ الخلاف الذي ظهر لم يتعلق بهوية رئيس ال​حكومة​ المكلف، الذي سمي من دون أيّ إتفاق مسبق، بل في الصيغة التي سيؤلف حكومته على أساسها.

ذلك الخلاف، هو الذي قاد إلى بروز العديد من العقبات، التي لم تتوقف عند تمسك "حزب الله" و"​حركة أمل​" بحقيبة المالية، بل شملت أيضاً إعتراضات كانت لدى معظم ​الكتل النيابية​ حول حق رئيس الحكومة المكلف في تسمية جميع الوزراء، بالرغم من أنه محسوب على فريق سياسي محدّد، هو نادي رؤساء الحكومات السابقين الأربعة.

على هذا الأساس، تؤكد مصادر سياسية مطلعة، عبر "​النشرة​"، أنّ طرح أيّ اسم اليوم يأتي من باب التسويق السياسي أو الإعلامي لا أكثر، لأن الإتفاق المطلوب هو حول الصيغة التي تحول دون العودة إلى الخلافات التي حصلت في الماضي، وتشير إلى أنه حتى ​الساعة​ لم تُقدّم أي صيغة جديدة بإستثناء تلك التي تقدم بها رئيس الحكومة السابق ​نجيب ميقاتي​، التي ترى أنها الطرح الوحيد القابل للحياة في الوقت الراهن، لا سيما أنها تعالج هواجس أساسية لدى مختلف الأفرقاء.

في هذا السياق، تلفت هذه المصادر إلى أن صيغة ميقاتي سبق أن عرضت من قبل قوى الأكثرية النيابية على رئيس الحكومة السابق ​سعد الحريري​، قبل تشكيل حكومة تصريف الأعمال الحالية برئاسة ​حسان دياب​، إلا أن الحريري هو من رفض السير بها متمسكاً بالشروط التي كان يريد الحصول عليها عبر أديب، الأمر الذي حال دون تسميته ودون نجاح أديب في إنجاز مهمته.

وفي حين تؤكد المصادر نفسها التعامل الإيجابي مع طرح ميقاتي، تشير إلى أن المبادرة من قبل قوى الأكثرية النيابية تتطلب الحصول على المزيد من الإيضاحات حولها، أيّ أنّ المطلوب أنْ تعرض بشكل مفصّل وواضح، من دون تجاهل أن يصار إلى تبنيه بشكل رسمي من قبل رؤساء الحكومات السابقين، أو على الأقل من قبل الحريري، الذي يتم التعامل معه على أساس أنه يمثل المكوّن السني بوصفه رئيس أكبر كتلة نيابية سنية.

على صعيد متصل، تشير مصادر سياسية أخرى، عبر "النشرة"، إلى أن التوافق على صيغة ميقاتي لا يعني التسليم برئاسته الحكومة المقبلة، نظراً إلى أن العديد من الأفرقاء في قوى الأكثرية النيابية لا يفضلون التعاون معه، وبالتالي البحث بعد حسم الصيغة سيكون عن هوية رئيس الحكومة القادر على إدارة المرحلة، بالتوافق مع ​رئيس الجمهورية​ العماد ​ميشال عون​ وبالتعاون مع رئيس ​المجلس النيابي​ ​نبيه بري​.

وعلى الرغم من أن كل التقديرات تؤكد أن البحث في الملف الحكومي سيبقى معلقاً إلى ما بعد الإنتخابات الرئاسية الأميركيّة، تسجّل هذه المصادر بعض المؤشرات التي قد تدفع نحو إعادة تحريك الملف، منها الإعلان عن إتفاق الإطار حول ​ترسيم الحدود​ الجنوبية، الذي وصف بأنه ورقة قدمت إلى جانب الأميركي في هذه اللحظة الحرجة، حيث من الممكن أن يستغلّها الرئيس ​دونالد ترامب​ في صراعه مع المرشح عن الحزب "الديمقراطي" ​جو بايدن​.

بالعودة إلى اسم رئيس الحكومة المقبلة، ترى المصادر نفسها أن الأساس هو المواصفات التي ينبغي أن يتمتع بها قبل الاسم، لأنه كما أن الإتفاق على الصيغة يسهل عملية التأليف فإن الإتفاق على المواصفات يسهل عملية الإتفاق على الإسم، وهنا يبرز ما نقل عن رئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي تحدث عن أن البحث جار عن رئيس حكومة عاقل يستطيع مع الوزراء مواجهة التحديات.

في المحصّلة، تؤكّد المصادر السّياسية أنّ العودة إلى أسماء سبق أن تم رفضها، كالنائب السابق لحاكم مصرف لبنان محمد بعاصيري والسفير السابق نواف سلام، لن تجدي نفعاً، فالجميع يعلم أن هناك أسماء مرفوضة مسبقاً، وبالتالي المطلوب الإنطلاق في المسار بشكل سليم: الصيغة ثم مواصفات رئيس الحكومة ثم اسمه أو هويته، وترجح أن تشهد الأيام المقبلة حركة على هذا الصعيد.