انعقد المجمع المسكوني السابع في العام ٧٨٧م في مدينة نيقية-آسيا الصغرى. رأس المجمع بطريرك القسطنطينيّة، وحضره ممثّلون عن بابا روما وبطاركة الاسكندريّة وانطاكية وأورشليم (البطريركيّات الخمس آنذاك)، كما بلغ عدد المشتركين ٣٧٦ شخصًا، إلى جانب عدد كبير من الرهبان. كلمة مجمع باللغة اليونانيّة συναγωγή وهي تعني «نقود معًا»، σύν + ἄγω. وهنا بيت القصيد. نقود معًا بالروح ​القدس​، ونسلك معًا طريق الربّ في الإيمان المستقيم، إذ لا طريق آخر لنا، ولا إله آخر نعبده غير الرب ​يسوع المسيح​: «أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ.» (يو 14: 6).

هذا ما فعله الآباء القدّيسون. أعلن هذا المجمع أحقيّة إكرام الإيقونات المرتبط بالتجسّد الإلهيّ، وذلك بعد حرب ضروس كانت قد بدأت ضد الإيقونة سنة ٧٢٥م، لتعود مِن جديد وتمتد مِن العام 813م لغاية العام 842م، ليكون مجموعها حوالي ١٢٠ سنة تقريبًا. وقد استشهد في هاتين الحربين كثير مِن الرهبان عدا عن الإيقونات التي أُحرقت وأُتلفت وصودرت. الجدير ذكره أن الحرب الأولى والثانية ضد الإيقونة أوقفتهما امرأتان قدّيستان وهما الأمبراطورتان إيريني وثيوذورة. تقيم الكنيسة تذكار هؤلاء الآباء القدّيسين في الأحد الواقع بين ١١و ١٨ مِن تشرين الأوّل كل عام، وذلك أوّلًا، لأهميّة هذا الحدث مِن الناحيّة العقائديّة والإيمانيّة، وثانيًّا، الشهادة الكبيرة التي قدّمها هؤلاء الآباء مِن إعلان الإيمان الحق بالروح القدس، وثالثًا، لكي يعي كل ​مسيحي​ تاريخ كنيسته وحقيقة الإيمان المسيحي في وجه كل تشويه وضلال وهرطقة. ما جاء في تحديد المجمع لموقف الكنيسة مِن الأيقونات يوضح هذا الأمر: «... إننا نحافظ على كلّ تسليم للكنيسة، حتّى يومنا هذا، بلا تغيير أو تبديل. ومِن هذا التسليم، الصور الممثلة للأشخاص ... وهو تسليم مفيد مِن عدّة وجوه، ولاسيما إنّه يظهر أنّ تجسّد الكلمة إلهنا، هو حقيقة وليس خيالاً أو تصوّرًا. لأن الصور عدا ما فيها مِن إشارات، وايضاحات، تحرّك المشاعر الشريفة».

يقف الهراطقة في وجه الكنيسة قائلين: الله حرَّم في وصاياه رسمًا له لأنّه لم يُرَ ولا يُرى. تجيب الكنيسة ببساطة: هذه الوصيّة كانت في العهد القديم قبل التجسّد. ولكن في العهد الجديد تغيّر الأمر لأن «الْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا»(يوحنا ١٤:١)، وكذلك «َبِالإِجْمَاعِ عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى: اللهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ، تَبَرَّرَ فِي الرُّوحِ، تَرَاءَى لِمَلاَئِكَةٍ، كُرِزَ بِهِ بَيْنَ الأُمَمِ، أُومِنَ بِهِ فِي الْعَالَمِ، رُفِعَ فِي الْمَجْدِ»(1 تي 3: 16). يتابع المضلّلون حججهم بأن إكرام الأيقونات لا يجوز لأنّه حينئذٍ يعبد الناس المادة. بالمقابل، يؤكّد الآباء القدّيسون أنّنا نعبد المسيح ونكرّم القدّيسين وعلى رأسهم والدة الإله، وبالتالي نحن لا نكرّم المادة (الخشب-الحجارة) بل الكائن المرسوم فيها، أي ما تمثّله الإيقونة. وهذا ما جعل من المؤمنين منذ القرون الأولى للمسيحيّة يترجمون إيمانهم بجداريّات وإيقونات تصوّر الربّ يسوع المسيح ووالدة الإله والرسل، بالإضافة إلى مشاهد ​إنجيل​يّة مِن العهدين القديم والجديد.

​​​​​​​

ويشهد مؤرّخ الكنيسة افسابيوس القيصري (٢٦٥-٣٣٩م) إكرام صور السيّد وبطرس وبولس. كما يوجد رسائل كثيرة بين أساقفة مِن قبل الألف الأوّل، تشهد على وجود جداريات وإيقونات مع تكوين الجماعات المسيحيّة الأولى. والجميل أن كل جداريّة وإيقونة مرتبطة بقطعة صلاة يتلوها المؤمن بخشوع ووقار. إيماننا لا يتجزأ، فالفن الكنسيّ و​الصلاة​ و​الصوم​ والعقيدة المستقيمة و​مسيرة​ المؤمن في حياته اليوميّة وحدة متكاملة. ويضاف إلى ذلك أن هذه التصاوير هي بمثابة إنجيل مرسوم يساعد المؤمنين في صلواتهم، وتقدّم فهمًا أكثر للأحداث التي تمثّلها الرسومات، كما أن القدّيسين هم مثالٌ حيٌّ للمؤمنين يُحتذى بهم. هناك مثلًا شهادة تأتي مِن القرن الرابع ميلادي عن رسم للقدّيسة إفيمية في أماسيّا في آسيا الصغرى يصوّر قاضيًا يحكم على القدّيسة محاطًا بكتبة وجنود، وجنديين يحيطان بالقدّيسة، الأوّل يدفعها إلى الأمام باتجاه القاضي، والثاني يمسك بيدها. وجه القدّيسة أثناء المحاكمة يشّع نورًا وسلامًا وطمأنينة. نظراتها تجمع بين العفّة والشجاعةّ. كما تظهر في الإيقونة مراحل مِن حياتها وجهادها و​تفاصيل​ من سجنها وتعذيبها وصلاتها وهي ترفع يديها إلى العلى قبل استشهادها. وُلدت هذه القدّيسة في منتصف القرن الثالث ميلاديّ ويعيّد لها في ١٦ أيلول. الله يدعونا لنكون إيقونات مقدّسة ومكرّسة للرب. والقداسة ليست محصورة بشخص دون سواه، بل هي للجميع. فإيقونة الخلق تظهر وجه آدم مطابقًا لوجه المسيح الذي ينفخ فيه نسمة ​الحياة​. المسيح هو الإيقونة الأولى. وكلمة أيقونة تعني نموذج عن المثال الأصلي، مِن هنا نقول إن الأيقونة تُكتب ولا ترسم. فهي تُكتب بألوان النعمة وريشة التوبة.

​​​​​​​

فاتّحاد الطبيعة الإلهيّة بالطبيعة البشريّة الذي حصل في التجسّد الإلهيّ، ما هو إلّا لنرتقي بدورنا للإلهيّات. ففرحنا بهذا التجسّد كما نصلّي في عيد البشارة اليوم رأس خلاصنا، وفرحنا بقيامة المسيح مِن بين الأموات، يساويان فرحنا بالإيمان الحقيقي المنتصر على التعليم المنحرف. فالقدّيسون كانوا إيقونات حيّة قبل أن يصبحوا إيقونات على خشب، والإنسان المصلّي يغرف مِن الإيمان الذي يجمع العقيدة والصلوات والترتيل والكتاب المقدّس وأقوال الآباء القدّيسين الذين هم جميعهم واحد. هذا ما تعلنه المجامع المسكونيّة السبعة وحياة الكنيسة كلّها. ألا حجزنا لنا مكانًا في قوافل إيقونات القدّيسين لأن هذا هو هدف حياتنا.