تتوالى الأزمات اللبنانية بمختلف اشكالها وفصولها ولا تنتهي وكل يوم واحدة جديدة، لم تعد تقتصر على الضائقة المعيشية والاجتماعية ولا على تداعيات جائحة "​كورونا​"، بل وصلت الى معاملات المواطنين اليومية من خلال فقدان الطوابع من فئة الألف ليرة لبنانية بشكل نهائي، فيما بدأت باقي الفئات وخاصة 100 و250 و500 وحتى الـ5 الاف بالنفاد نظرا للاقبال الكثيف عليها، وبدلا من ايجاد الحلول دخلت عمليّة انجاز المعاملات في أزمة طويلة الأمد ويتوقع البعض ان تمتدّ حتى نهاية العام.

وسط ​الأزمة​، يكابد ​مخاتير صيدا​ كغيرهم من مخاتير المناطق اللبنانية، صعوبة بالغة في إنجاز معاملات المواطنين، عبر استخدام طوابع فئتي الـ100 والـ250 ليرة كبديل موقّت، ولكن ندرة كميّاتها ايضا تنذر بفقدانها وبتوقّف ​المخاتير​ عن إنجاز الوثائق لطالبيها، وتعطيل متطلّبات شؤونهم الرسمية إذا لم يتمّ وضع حلّ جذري لهذه الأزمة سريعا.

وتعتبر الطوابع من فئة الألف ليرة لبنانيّة هي الاساس في معاملات المواطنين، وهي الاكثر طلبا في الدوائر الرسميّة، وقد سبّب فقدانها أزمة كبيرة وفتح الباب على خيارين: إما التأخير بإنجاز المعاملات وتأجيلها أو تأمين الطوابع من "السوق السوداء" التي بدأت بالظهور بالخفاء حيث يعبر المخاتير عن استيائهم البالغ منها، بعدما بات لكل شيء "سوق سوداء" موازية وهم يحصدون "البهدلة" و"سواد الوجه".

وفيما لم تعط ايّ اجوبة رسميّة على أزمة فقدان الطوابع وتفاقمها، شرح رئيس رابطة مخاتير صيدا ابراهيم عنتر لـ"النشرة"، التفاصيل وفق ما يتداول بين المخاتير أنفسهم والادارات الرسميّة، فيقول "ان الازمة ليست وليدة اليوم، وهي بدأت منذ عام وأكثر، حيث قامت ​الدولة​ اللبنانيّة بتلزيم الطوابع وفق مناقصة قانونيّة، فرست على احدى المطابع وعندما قيام اللجنة الفنّية المختصة بالكشف عليها للتأكد من النوعية والشروط المطابقة، تبيّن انها لا تملك المواصفات المطلوبة، فجرى وقفها، وتقرر اعادة التلزيم وفي تلك الفترة بدأ سعر صرف ​الدولار​ الاميركي يرتفع حيث اختلفت التكلفة الماليّة عن السابق، في ظلّ ​استقالة​ ​الحكومة​ والفراغ وتشكيل أخرى ثم الاستقالة، فلم يتخذ اي قرار بهذا الشأن وبقي معلقا"، مضيفا "وعند بدء نفاد الطوابع جرى رفد السوق بنحو 8 الاف دفتر من طوابع فئة الالف، ولكنها لم تكفِ سوى أربعة اشهر، وعادت الازمة مجددا اليوم، ومعها نفاد باقي فئات الطوابع بعد الاستعانة عنها كبديل مؤقت"، متوقّعا ان "تراوح الازمة مكانها بين الحكومة المستقيلة وأخرى قيد التشكيل ونيل الثقة وهذا الامر يحتاج الى بعض الوقت ما دفع بالكثير توقع استمرارها حتى نهاية العام وفي ذلك كارثة".

واعتبر المختار عنتر، ان "ليس هناك من بديل عن الطوابع حتى ولو تقرر استيفاء رسوم ماليّة، فان الامر صعب ومعقّد ويحتاج الى صندوق ومحاسب ومن سيستلم الاموال ومن يسلمها الى الماليّة"؟!، مؤكدا ان "استمرار الازمة مؤشر سلبي جدا على ترهل الدولة وبدء تعطيل معاملات المواطنين وهذا آخر شيء يمكن توقعه"، معتبرا ان "لكل قاعدة استثناء ويجب ان يتحمّل احد المسؤولية ويتخذ قرارا استثنائيا في انهاء هذه المشكلة العامة التي تمس كل الناس ومعاملاتهم في السفر و​الزواج​ و​الطلاق​ و​المدارس​ و​الجامعات​ والسجل العدلي وسواها"، مُحذّراً انه "اذا لم نلمس من الدولة حلّاً سريعاً لهذه المشكلة، سنتحرّك ونُصعّد، عبر الإعتصامات والتوقّف عن العمل في سبيل الضغط والمطالبة والإسراع في ايجاد السبل الآيلة لخدمة المواطنين".

في غرفتهم الخاصة في ​سراي صيدا​ الحكومي، يلتقي المخاتير يوميا، يروي بعضهم حكايات عن مواطنين تجرّعوا مرّ المعاناة مع فقدان الطوابع، وهم يسعون الى انجاز معاملة او الحصول على سجل عدلي، فهذه الدائرة لا تقبل الا طوابع بأربعة الاف ليرة لبنانيّة دون زيادة او نقصان، خلافا لبعض الدوائر الاخرى التي يمكن ان ترضى بالزيادة كحلّ لا غنى عنه، ويقولون انّ احد المواطنين اشترى ثلاثة طوابع من ​بيروت​ بمبلغ 75 الف ليرة، وآخر اشترى طابع بـ25 الف وثالث بـ50 الف، ما يعني بدء ازدهار "السوق السوداء" الموازية تتحكم بالطابع دون رقابة او حسيب.

يقول مختار "حي الكنان" خالد أحمد السنّ لـ"النشرة"، "ان التأخر بانجاز معاملات المواطنين جعلنا في "بوز" المدفع مباشرة، وكأنّنا لا نريد إنجاز معاملاتهم، فيما المشكلة تكمن في ​وزارة المالية​"، مُعرباً عن خشيته "من عدم المعالجة سريعاً، سيما وأنّ المعنيين بدأوا يتناقلون أحاديث عن طول أمد المشكلة حتى نهاية العام"، محذرا من "غضب المخاتير وتصعيد تحرّكاتهم الإحتجاجية، قائلاً: "سنبحث الخطوات الواجب اتّخاذها لتسيير أمور المواطنين بعد فقدان الطوابع منذ فترة"، رافضاً "استغلال الناس لإنجاز معاملاتهم، أو إنشاء سوق سوداء لبيع الطوابع بسعر أغلى، بعدما أبلغ مواطنون أنهم اشتروا اربعة طوابع من فئة الألف بعشرة آلاف ليرة لإنجاز إحدى معاملاتهم الإدارية".

مختار حي السبيل نادر جميل البيلاني يعتبر "أن لا أفق قريب لحل المعضلة، واللافت انّ أياً من المسؤولين لم يشرح رسميا أسباب هذه الأزمة... هل هي كلفة الطباعة؟ أم إجراء المناقصة جديدة أو غيرهما"؟، ورأى ان تعطيل معاملات المواطنين يخسر خزينة الدولة مردوداً ماليا كبيراً والناس تتعطّل أشغالها في كافة المعاملات الإدارية".