مرّة جديدة أخطأ المسؤولون المَعنيّون في ​الدولة​ ال​لبنان​يّة بالتعاطي بالشكل المُناسب مع التفشّي الخطير لوباء ​كورونا​ في لبنان، ما يُنذر بأن تكون القرارات ​الجديدة​ التي صدرت في نهاية إجتماع ​المجلس الأعلى للدفاع​، فاشلة سلفًا، للأسباب التالية:

أوّلاً: قرار ​الإقفال​ الذي قيل إنّه تام وشامل، هو في الواقع قرار جزئيّ، ومُتخم بالإستثناءات، بحيث صار التطبيق الصارم المُتوقّع يستهدف قطاعات دون أخرى، أي أنّ الإقفال هو "على ناس وناس"!. إشارة إلى أنّه ثبت بحسب التجارب السابقة التي إعتمدت في لبنان والخارج، أنّ الإغلاقات الجزئيّة وغير الشاملة، فاشلة ولا تُؤمّن أي نتيجة مُهمّة تُذكر في خفض إجمالي الإصابات!.

ثانيًا: الإستثناءات الواسعة التي إعتمدت بحجّة تسيير أمور الناس، أشعرت من طاله قرار الإقفال بالغُبن وبالمَظلوميّة، وهذا الأمر هو حافز لمُخالفة القرار، ولتوسّع الإعتراضات عليه يومًا بعد آخر. وهذا يعني أنّ العاملين في كثير من القطاعات المُستهدفة بالإقفال، سيسعون جاهدين للإلتفاف على قرار منعهم من العمل، وسيُحاولون تسيير أعمالهم بشكل سرّي وخفّي، من مُنطلق أنّه من غير العادل أن يكون "ناس بزيت وناس بسمنة"..

ثالثًا: الإستثناءات الواسعة التي إعتمدت، ستجعل الحواجز الأمنيّة التي ستُنشر في الشوارع وعلى ​الطرقات​، مَعدومة ​الفائدة​، ولن تستطيع بالتاليالقوى الأمنيّة المَعنيّة، أن تمنع التجوال، لأنّ أيّ شخص سيتمّ توقيفه سيقول إنّه يتوجّه إلى التبضّع، أو إنه يتوجّه إلى مركز عمله، بحجّة أنّه يعمل في القطاعالصناعي أو في ​القطاع الزراعي​ أو في عشرات القطاعات الأخرى التي جرى إستثناؤها، والتي لا يحمل العاملون فيها بالضرورة بطاقات عمل تعريفيّة، بعكس ما هي الحال مع العسكريّين أو الإعلاميّين أو العاملين في الأطقم الطبيّة، على سبيل المثال لا الحصر. وبالتالي، لن يستطيع أي حاجز أمني تسطير أيّ ​محضر ضبط​ بحقّ أي مُخالف!.

رابعًا: لم يتضمّن القرار أيّ إجراء لمُعالجة الأسباب الحقيقيّة لتفشّي وباء كورونا بهذا الشكل الخطير في لبنان. فالناس التي لا ترتدي الكمّامات، والتي–عن جهل أو عن غباء، تسخر من مخاطر الوباء أو حتى تنفي وُجوده بالأصل، هي المُشكلة! والناس التي لا تُطبّق مبدأ التباعد الإجتماعي عندما تختلط بالآخرين في أيّ مكان عام أو حتى خاص، هي المُشكلة! والناس التي تُمنع من الذهاب إلى العمل، فتقيم غداء لعشرات الأشخاص في منزلها أو سهرة "أراكيل" في إحدى الشاليهات مثلاً، هي المُشكلة!.

وهنا يجب الإشارة إلى أنّه في كثير من الدول الغربيّة المُتقدّمة التي تعمل على مُكافحة إنتشار وباء كورونا، يتمّ فرض غرامات باهظة على كل من لا يرتدي الكمّامات في مكان عام، وعلى كل من لا يحترم خطوط التباعد الإجتماعي في أيّ مكان، وبعض هذه الدول يفرض غرامات على من يقوم بزيارات إجتماعيّة خلال فترات الإغلاق، إلخ. فأين لبنان من المُعالجات الفعليّة للوباء، بدلاً من التدابير الشكليّة وغير المَدروسة، والتي تُلحق أفدح الأضرار بالكثير من ​الفقر​اء وبالكثير من العمّال العاديّين، والنتي تُدمّر ما تبقى من فتات دورة إقتصاديّة؟!.

وللمرّة الألف نُكرّر أنّ المحل التجاري الصغير الذي يبيع الثياب مثلاً لا ينشر كورونا، إذا كان كلّ من صاحبه ومن المُتبضّعين فيه، يلتزمون تدابير وإجراءات الحماية المناسبة. والأمر صحيح أيضًا وينطبق على محلّ الحياكة، وعلى محلّ بيع ​الساعات​، وعلى متجر بيع الألعاب، وعلى متجر بيع المفروشات، وعلى أي محلّ أو متجر أو مركز تجاري يلتزم مع زوّاره بالتدابير المَطلوبة. حتى أنّ المقهى أو المطعم الذي خفّض فعلاً قدرته الإستيعابيّة، وأزال نصف طاولاته، ووزّع عبوات التعقيم، وحرص على عدم الإزدحام داخله، لا يتسبّب بإنتشار وباء كورونا. والأمثلة كثيرة ولا مجال لتعدادها كلّها.

في الخلاصة، لقد حان الوقت لأن تفرض الدولة بالقُوّة إرتداء الكمّامات، والتباعد الإجتماعي، وكل تدابير ​الوقاية​، لأنّ هذه التدابير هي السبيل الوحيد لخفض أعداد مُصابي كورونا. ولقد حان الوقت أيضًا وخُصوصًا، لأن توقف الدولة القرارات الفاشلة والغبيّة التي لن تُفيد بشيء سوى بزيادة ​حالات​ الفقر والعوز، وبزيادة النقمة عليها والإشمئزاز من مسؤوليها!.