بعكس ما كان يتوقّعه وربما يتمنّاه في قرارة نفسه، لم يجد رئيس "​التيار الوطني الحر​" الوزير السابق ​جبران باسيل​ حالة التضامن الوطنيّ الواسع معه بعد فرض ال​عقوبات​ عليه من جانب ​الإدارة الأميركية​، لدرجة أنّ أيّ بيانٍ داعمٍ بالمُطلَق له لم يُرصَد سوى من "​حزب الله​"، المعنيّ الأول أصلاً بالمواجهة مع ​الولايات المتحدة​.

وإذا كان العديد من الأفرقاء ارتأوا "​النأي بالنفس​" عن العقوبات المستجدّة على الرجل، متجنّبين التعليق عليها من قريب أو من بعيد، فإنّ آخرين لم يتردّدوا في التهليل والاحتفاء بها، وصولاً إلى حدّ "الشماتة" بالرجل الذي طاله "سيف" العقوبات، بل إنّ المفارقة أنّ بعض هؤلاء هم من حلفاء "حزب الله"، وممّن خبروا العقوبات سابقاً.

وبعيداً عن "خلفيّات" ردود الفعل هذه، ومدى "ترابطها" مع الاستحقاقات السياسية الداخلية الآنيّة أو البعيدة المدى، عاد الحديث عن "طموحات" باسيل، لا سيما في شقّها الرئاسي، ليطفو على سطح الكواليس السياسيّة، مع انتشار فرضيّة "زوال" هذه "الأحلام" بفعل "الضربة القاضية" التي أحدثتها العقوبات، عن سابق تصوّر وتصميم!.

خصومٌ "يشمتون"؟!

في مؤتمره الصحافي الأخير، حاول باسيل توظيف العقوبات عليه في مصلحته السياسية، عبر القول إنّها فُرِضت عليه بعد رفضه "الخضوع" للأجندة الأميركيّة، عبر فكّ الارتباط بـ"حزب الله"، وبالتالي المساهمة في عزل الحزب ومن يمثّل من ​المجتمع اللبناني​، داخلياً وخارجياً، وعدم وقوعه في فخّ "الوعود" التي قُدّمت له، والتي كادت تغريه بـ"نجوميّة" يحلم بها أيّ متعاطٍ في الشأن السياسيّ الداخليّ.

لعلّ باسيل كان يعتقد في قرارة نفسه أنّ موقفه هذا ينبغي أن يحوز على "مباركة" معظم الأفرقاء، ولا سيما حلفاء "حزب الله" الذين سيكون عليهم أن "يقدّروا" له هذا الموقف "الاستراتيجيّ"، ويندفعوا تلقائياً لفتح "صفحة جديدة" معه، تتيح له فرض ما يشاء من شروط، مهّد لها بعض المقرّبين من "حزب الله" افتراضياً، حينما افترضوا أنّ الردّ الأبلغ على العقوبات يجب أن يكون بالإصرار على "توزير" باسيل شخصياً، كشرطٍ لا رجعة عنه لتأليف ​الحكومة​.

لكنّ ما أراده باسيل لم يحصل، فانحصر "الدعم" المُعلَن له بـ"حزب الله"، وبعض القوى والأحزاب الثانوية المنخرطة في إطار ما كان يُعرَف بقوى الثامن من آذار، فيما سيطر الصمت المُطبَق على أفرقاء أساسيّين، من الخصوم و"حلفاء الحليف" على حدّ سواء، على غرار رئيس ​مجلس النواب​ ​نبيه بري​ مثلاً، أو رئيس الحكومة المكلَّف ​سعد الحريري​، الذي طالته أصلاً الكثير من رسائل باسيل المشفّرة وأسهمه النارية في "مضبطته الاتهامية".

لكن، أبعد من النأي بالنفس، كانت المفاجأة بـ"الشماتة" التي لم تقف حكراً عند بعض "الجيوش الافتراضية" المحسوبة على مختلف الأفرقاء، والتي لم تتردّد في "التهليل" لعقوباتٍ خارجيّة على سياسيّ لبنانيّ، بل وصلت إلى "النخبة" مع الموقف الذي أطلقه رئيس تيار "المردة" ​سليمان فرنجية​، وإن اتّخذ عنوان "تبنّي" موقف باسيل نفسه، حينما فُرِضت عقوبات على الوزير السابق ​يوسف فنيانوس​، والذي لم يكن أفضل بكثير للمفارقة، وبمُعزَلٍ عن النوايا.

هل انتهى "الحلم"؟!

قد لا يُلام فرنجية أو غيره على موقفٍ من هذا النوع، فهو عملياً لم يفعل سوى "تبنّي" موقف "الضحيّة" يوم كانت في موقع "الجلاد"، بحسب ما يقول مقرّبون من "بيك ​زغرتا​"، ممّن يذكّرون برفض "العونيّين" التضامن معهم، حين طالتهم العقوبات، من باب رفضهم مساندة "الفاسدين"، أو كما قال النائب ​زياد أسود​ مثلاً في تغريدةٍ انتشرت مجدّداً كالنار في الهشيم خلال اليومين الماضيين، من أنّه "لا شفقة على فاسد ولا تضامن معه".

لكن، أبعد من كلّ هذه التفسيرات والتحليلات، ومعها الاستنتاجات، ثمّة من ذهب بعيداً في قراءة ما وراء "الشماتة"، للحديث عن "البازار الرئاسيّ" المفتوح قبل الأوان، والإيحاء تلقائياً بأنّ العقوبات جاءت لتضع حدّاً لكلّ طموحات باسيل الرئاسيّة، وإن نفاها ودحضها في محطّاتٍ عديدة، آخرها في مؤتمره الصحافي الأخير.

وينطلق أصحاب وجهة النظر هذه من أنّ أيّ "طامح" للرئاسة لا يمكن أن يصل إلى سُدّتها فعلاً من دون "ضوء أخضر" خارجيّ، وأميركيّ تحديداً، وبالتالي فإنّ العقوبات المفروضة على باسيل شكّلت "فيتو" مُسبَقاً على أيّ تفكيرٍ بمثل هذا الترشيح، وهي ستدفع رئيس "التيار" نفسه إلى صرف النظر عن الفكرة بانتظار استكمال "المعارك القانونية" التي أعلن مضيّه بها، لرفع اسمه عن قائمة العقوبات، علماً أنّه كان واضحاً برهانه على "تطوير" العلاقة مع الإدارة الأميركية ​الجديدة​، لا استبدال "الصداقة" بـ"عداوة" لا يعتقد أنّها ستكون في مصلحته.

لكن، في مقابل هذا الرأي، ثمّة رأيٌ مُضاد، يعتبر أنّ العقوبات على باسيل، وعلى عكس ما يتمّ تصويره، من شأنها تقوية موقفه في الداخل، بل جعله أقرب للرئاسة من أيّ وقتٍ مضى، باعتبار أنّ "حزب الله" قد يتحمّس لترشيحه، بعدما كان حتى الأمس القريب يرفض تقديم أيّ "وعدٍ" له بهذا المعنى، إلا أنّه اليوم قد يعتبر أنّه المرشح الأفضل من باب "تحدّي" ​واشنطن​، وصولاً حتى دفعها إلى الخضوع للأمر الواقع، في تكرار لسيناريو ​الرئيس ميشال عون​، الذي فرض ترشيحه على الجميع بعد سنتين من الفراغ.

"أمر واقع لا مفرّ منه"!

كما يحصل في كلّ مرّة يُفتَح فيها "البازار" الرئاسي، من دون سابق إنذار، يأتي من يذكّر بأنّ هذا الاستحقاق لم يحِن موعده بعد، وأنّ البحث به اليوم، وبهذا الشكل، سابقٌ لأوانه.

قد يكون ذلك صحيحاً، لكنّ الصحيح أيضاً أنّ حساباته لا تزال تتحكّم بكلّ "الطامحين"، وما "عجز" باسيل وفرنجية على "التلاقي"، حتى في الملفات الاستراتيجية التي ينبغي أن تكون "جامعة" بينهما، سوى الدليل الأسطع على ذلك.

رغم ذلك، تبقى "الاستنتاجات" عُرضةً للكثير من التغيير، من الآن وحتى يحين موعد الاستحقاق، فإذا صحّ أنّ ما قبل العقوبات على باسيل ليس كما بعدها، فإنّه يصحّ أيضاً أنّ هذه العقوبات القابلة للاستئناف، قد لا تبقى على حالها، وتأثيرها اليوم قد لا يكون نفسه غداً.

ويكفي للمتكهنّين بهوية "الرئيس" المقبل من اليوم، استرجاع "سيناريو" وصول العماد ميشال عون إلى الرئاسة، وما قبله وما بعده، للتيقّن من أنّ "المفاجآت" تبقى واردة، وما قد يبدو "مستحيلاً" اليوم يمكن أن يصبح "أمراً واقعاً لا مفرّ منه" غداً!.