كان جلياً ان ​الادارة الاميركية​ الحالية عمدت الى تصعيد مستوى اللعبة الخطيرة التي تلعبها في ​لبنان​، بعد ان كانت ضمن المستوى الاول والذي كان "مقبولاً" الى حدّ ما، بحيث وعلى الرغم من فرضها ​عقوبات​ اقتصادية على ​حزب الله​، لم تصل الى حدّ تهديد الوضع اللبناني برمّته. ولكن، ما ان "تحمّست" ​فرنسا​ وقام الرئيس الفرنسي ​ايمانويل ماكرون​ بمبادرته اللبنانيّة، حتى رفعت ​واشنطن​ من مستوى لعبتها ونقلت لبنان الى مرحلة خطيرة. ومع استمرار الفرنسيين في متابعتهم للمسألة اللبنانيّة، تواصل الضغط الاميركي القاسي على اللبنانيين بذريعة حزب الله، الى ان وصل اليوم الى المرحلة الاخيرة قبل الفوضى والانهيار التام. لا يحتاج الامر الى الكثير من التحليل لادراك انه كلما تقدمت المبادرة الفرنسية خطوة الى الامام، صعّدت الادارة الاميركية الوضع خطوات اكثر، وما الاعلان عن العقوبات الاقتصادية على مرحلتين سوى خير دليل على ذلك، اذ تزامنتا مع تقدّم كبير على مستوى تشكيل ​الحكومة​ لتبرز عقدة الوزيرين السابقين ​علي حسن خليل​ و​يوسف فنيانوس​، ثم قبيل وصول الموفد الرئاسي الفرنسي ​باتريك دوريل​ الى لبنان لتخرج الى العلن صدمة العقوبات على النائب ​جبران باسيل​، وزاد الكلام المسرّب للسفيرة الاميركية في لبنان ​دوروثي شيا​ الامور تعقيداً بعد وصول دوريل وقيامه بالجولات المكوكيّة في ​بيروت​.

ومع العلم المسبق انّ واشنطن لا تقوم بخطوات اعتباطيّة او اللجوء الى الصدفة في قراراتها، فإنّ ما تقوم به في لبنان خطير للغاية، فمنذ اكثر منسنة اعلنت انها وضعت نصب عينيها استهداف حزب الله، وحازت على تأييد قسم من اللبنانيين الذين رأوا في خطوتها الاقتصاديّة سبيلاً لحثّ الحزب على التخفيف من نفوذه، ولكن بعد هذه الفترة الطويلة، تبيّن انّ الجميع تأثر بهذه العقوبات... ما عدا حزب الله. حاول الاميركيون بعدها الايهام ان العقوبات ستطال كل من يتعاون مع الحزب مادياً وسياسياً واجتماعياً وصحياً، واذا بهم "يختارون" المُعاقَبين وفقاً لاجندتهم، ومنهم مثلاً: جبران باسيل والمدير العام للامن العام ​اللواء عباس ابراهيم​. واذا سلّمنا جدلاً انّ تهمة ​الفساد​ هي الطاغية والاساسية، فكيف دخلت العلاقة مع الحزب على الخط؟ وهل وثائق ودلائل الاستخبارات العسكريّة والامنيّة والماليّة الاميركيّة تمكّنت فقط من تحديد هذين "الفاسدين"؟ وفي حال كانت التهمة هي العلاقة القويّة والمتينة مع الحزب، فلماذا غاب ​رئيس الجمهورية​ ورئيس ​مجلس النواب​ ورئيس الحكومة المستقيل والمكلف والوجوه الوزارية والنيابية العديدة التي تتعامل مع الحزب، وهل سيوضع ايضاً الرئيس الفرنسي ومبعوثه ضمن اللائحة المعاقَبة بسبب لقاءاتهما مع الحزب بشكل مباشر؟.

لم تنجح "البروباغندا" الاعلاميّة الرسميّة للاميركيين ان عبر سفيرتهم او عبر وسائل اخرى، في اقناع احد انهم يستهدفون فقط حزب الله، لانّ الوقائع على الارض تدينهم، ناهيك عن اللهجة غير المعتادة التي تتحدث بها شيا وهي الاكثر حدّة بين من سبقها في هذا المنصب منذ عقود من الزمن. فمن ناحية التأثير الاقتصادي والمالي فإنّ الحزب هو الاقل تأثّراً حتى الآن بهذه الضغوط، فيما كان من المفترض ان ينعم كل من لا يرتبط بالحزب، بطريقة او بأخرى، بأفضليّة على هذا الصعيد. كما انّ نفوذ الحزب السياسي لم يتراجع قيد انملة، وهو لا يزال على حاله باعتراف المسؤولين الاميركيين بالذات، ولن يتوقّع احد ان يتغير الواقع الحكومي اياً كان اسم رئيس الحكومة لجهة مشاركة حزب الله فيها بطريقة مباشرة او غير مباشرة، فما المكاسب التي حققتها ​اميركا​؟.

يقول اللواء ابراهيم ان الامور ستتغيّر من ناحية الضغوط في المدى القريب، من الطبيعي انّه يملك معطيات لا يملكها غيره في هذا الخصوص، واذا صحّت توقّعاته ومعلوماته، فإنّ السبيل الوحيد لذلك هو ان الامور وصلت الى حافة الفلتان التام في لبنان وعودة شبح الحرب الداخليّة اليه، وقد اقتنعت الادارة الاميركيّة بذلك، فقرّرت عدم التصعيد والاكتفاء بتجميد نشاطاتها في هذا المجال، مع مقاربة اقلّ قساوة من المفترض ان تعتمدها ادارة الرئيس الجديد جو بايدن، اذا ما تمّ الانتقالالرئاسي الاميركي بسلاسة في الاسابيع الاولى من السنة الجديدة.