وسط حبس أنفاس ترقُّبا لأسابيع تؤشّر المعطيات ان تكون ملتهبة في المنطقة الى حين مغادرة الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​ ​البيت الأبيض​، عقب اغتيال العالِم النووي الشهيد ​محسن فخري زادة​ والذي يُجمع المسؤولون الإيرانيون على وقوف “​اسرائيل​” وراء العملية مع ضوء اخضر اميركي، وفي وقت تدور التساؤلات حول كيفيّة “الثأر” ال​ايران​ي ومداه وتوقيته ومكانه، بدا مفاجئا ان تُصدر دولة ​الإمارات العربية​ ومملكة ​البحرين​ بيانَي إدانة لعمليّة الإغتيال، قبل ان يُميط موقع “ميدل ايست آي”-نقلا عن مصدر اماراتي وصفه ب”رفيع المستوى”،الّلثام عن تهديد مرّرته ​طهران​ عبر ​اتصال​ مباشر بوليّ عهد ​ابو ظبي​ محمد بن زايد، حمل تحذيرا عالي اللهجة بأنّ الإمارات ستكون “الهدف المقبل” في حال وقوع اي هجوم اميركي او “اسرائيلي” على ايران، أُلحق بما كشفه مصدر “مطّلع” في صحيفة لو باريزيان الفرنسية، ومفاده” انّ طهران تأكدت من ضلوع اجهزة خليجية بعملية اغتيال زادة،والتي كانت الهدف السرّي”مع اهداف اخرى” وراء جولة بومبيو الى المنطقة قبل ان توضع اللمسات الأخيرة عليها خلال الإجتماع” السرّي” في مدينة نيوم ​السعودية​..

وبحسب مصدر الصحيفة الفرنسية، فإنّ التهديد الإيراني لم يقتصر على دولة الإمارات حصرا، الا انّ اللافت يكمن في انّ طهران ابلغت بن زايد انّ “تحفّظها” على حركة “انصار الله” اليمنيّة باستبعاد الإمارات عن ضربات ​صواريخ​ها الباليستيّة لم يعد قائما، وبالتالي، عليه توقُّع الا يقتصر الرّد الايراني على قواعد وغرف عمليّات امنية سرّية زرعتها ​تل ابيب​ في ابو ظبي تحديدا، بل سيشمل ايضا اهدافا اماراتيّة حيويّة حسّاسة تمّ تحديدُها.

وفي حين يبدو السؤال الأهمّ اليوم” هل تُشكّل عمليّة اغتيال محسن زادة فرضيّة حاسمة تُعزّز الإنزلاق نحو مواجهة عسكريّة؟ علما انّ جميع المؤشرات تدلّ على تنبُّه طهران من محاولات جرّها الى مواجهة عسكرية تُشكل منفذا او حجّة لدونالد ترامب ل​تحقيق​ مأربه الذي يسعى اليه فيما تبقى له من اسابيع معدودة بالبيت الأبيض.. وماذا لو أُلحقت عملية اغتيال زادة بأخرى قد تتجاوزها خطورة في هذه الفترة؟-وفق ما ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” اليوم، في تصويبها على “انّ ايران تنتظرها عمليّات اغتيال جديدة قبل تنصيب بايدن”!

محلّلون عسكريّون في طهران ذهبوا الى ترجيح ان يتمّ الرّد على اغتيال زادة، بعمليّة “نوعيّة” توازي حجم جريمة الإغتيال في اماكن خارج الحدود المُتوقّعة، طالما انّ بديل المواجهة العسكرية المباشرة التي يتجنبّها جميع الأطراف ينحصر ب”الحرب ​الأمن​يّة” كونها اقلّ تكلفة على الجميع..تماما كما حصل ردّا على عمليّة اغتيال ​اللواء​ الشهيد ​قاسم سليماني​، والذي لا زال حتى اللحظة يُحاط بتكتّم اميركي مطبق-كما على الضفّة الايرانيّة، رغم مرور عشرة اشهر على العملية النوعية التي قضت على رئيس عمليّات ​الإستخبارات الأميركية​ في ​العراق​ وايران و​افغانستان​ مايكل دي اندريا، المُتهم بتدبير عمليّة اغتيال سليماني، مع مجموعة كاملة من كبار ضباط الإستخبارات الآخرين في اواخر شهر كانون الثاني الماضي، في افغانستان.

حينها، تمّ اسقاط ​طائرة​ ” E11A ” العسكرية التي كانت تقلّ اندريا وكامل مجموعته في ​ولاية غزنة​ الأفغانية، ب​صاروخ​ ادى الى مصرع الجميع، ومثّلت هذه العملية بلا شك ضربة مؤلمة لترامب، سيّما انه كان يوصف مايكل دي اندريا ب” اهمّ ضابط مخابرات اميركي”.

ورغم التكتّم الأميركي ازاء العملية وقتذاك، والأنباء التي ارجعت سبب سقوط الطائرة الى صاروخ اطلقه مقاتلون من ​حركة طالبان​، الا انّ ​واشنطن​ وأجهزة استخباراتها تدرك جيدا عدم قدرة هذه الحركة على حيازة صواريخ نوعية ودقيقة تستطيع اسقاط طائرة عسكرية متطورة من قبيل E11A، وتدرك ايضا العلاقات الهامة التي يحبكها قائد ​فيلق القدس​ في ​الحرس الثوري​ الايراني اللواء اسماعيل قاآني مع جماعات افغانيّة موالية لطهران، كما ايضا في اماكن اخرى تخضع للنفوذ العسكري الأميركي.. بينها الصّومال!

في اقلّ من 48 ساعة على اغتيال الشهيد محسن زادة، شاع خبر مصرع احد كبار ضباط الإستخبارات الأميركية “المخضرمين” في ​مقديشو​ الصومالية، بعد ساعات قليلة على زيارة ​وزير الدفاع الأميركي​ كريستوفر ميلر. لم يُعرف حتى اللحظة اسم الضابط الذي تمّت تصفيته ربطا ب”هويّته السرية”، ب​تفجير​ تمّ تقصُّد نسبه الى ​حركة الشباب الصومالية​، وهو أمرٌ مستبعد للغاية على خلفيّة تطلُّب نجاح تلك العملية، لتقنيّات تتجاوز مقاتلي هذه الحركة، سيّما انّ الضابط الإستخباري المُستهدف يخضع لحماية امنيّة “استثنائيّة” يصعب اختراقها بسهولة-بحسب تعليق خبراء عسكريين واكبوا حيثيّات العمليّة… وبالتالي وصلت الرسالة!

يشير الباحث والصحافي الأميركي ريتشارد سيلفرشتين في السياق،الى انّ الضربات الإيرانية وحليفاتها في سياق الحرب الأمنية الدائرة بين اسرائيل وايران والتي تبقى مضامينها سريّة بطبيعة الحال، تُقلق تل ابيب واجهزة استخباراتها الى حدّ كبير، لافتا الى انّ هذه الضربات التي اعتُمدت بديلا عن المواجهة العسكرية المباشرة، استعرت بشكل كبير إبّان الحرب السوريّة،” والتي تُخفي في طيّاتها “كنوزا” اسرائيلية واميركية وبريطانية اطبق عليها ​الجيش السوري​ ومقاتلو ​حزب الله​ وآخرون اشدّاء ايضا في الميدان عراقيّون وايرانيّون.”- وفق اشارته.

وبعد.. هل سيبقى الانتقام الايراني على اغتيال زادة، محصورا في سياق “المعركة بين الحروب”، ام انّ الرّد هذه المرّة قد يُخالف ​سياسة​ طهران “المتأنّية” التي درجت عليها في التعامل مع ايّ حدث عدائي خارجي؟ خصوصا وأنّ عملية الاغتيال هذه قد تُستتبع بأخرى لاحقة في “الوقت الضائع” من انتهاء ولاية ترامب.. وعليه!

ثمّة معلومات ارتكزت على مصادر وُصفت ب”الموثوقة” في طهران، المحت الى قرار “استثنائي” اتخذته الأخيرة في بادرة هي الأولى، ربطا بخطورة الهجمة المعادية عليها التي قد تصل الى الحدّ الأقصى في الاسابيع القادمة، عُمّم على قادة ​الجيش الايراني​ والحرس الثوري دون الإفصاح عن ماهيّته.. لربما استند المحلّل السياسي والدبلوماسي الايراني السابق امير موسوي الى هذه المصادر في تغريدته التي دوّنها بعد عمليّة الاغتيال، وفيها ” انّ ​القيادة​ الايرانية توجّه ​القوات المسلحة​ باتخاذ اجراءات حسّاسة ومهمة، وقد حدّدت ثلاثة اهداف اقليميّة كبيرة وهدفَين دوليَّين لتأديب مرتكبي الجريمة وموجّهيهم”.. ولكن، قد تبدو هذه الفرضية مُستبعدة في هذه الفترة تحديدا لعدم اعطاء ترامب فرصة ذهبية لتحقيق غاياته قبل رحيله عن ​البيت الابيض​، وطالما انّ لطهران حلفاء في كامل المنطقة يستطيعون ايلام المحور المعادي ايضا دون الانجرار الى حرب شاملة.. هجمات

من نوع آخر قد تفي بغرض الرّد على تل ابيب وتكون مؤلمة، كاحتمال استهداف منشآت وبنى تحتية حيوية في الكيان العبري بهجمات سيبرانيّة، من دون استبعاد ان يطال هذه المرّة مفاعل ديمونا- وفق ما المحت معلومات صحافية ايرانية!

ولربما يتمّ الانتقام الايراني في “الدقيقة الأخيرة ” قبل تبادل الرؤساء في البيت الابيض يوم العشرين من شهر كانون الثاني القادم- بحسب ترجيح رئيس الاستخبارات العسكرية “الإسرائيلية” السابق ​عاموس يدلين​.

لتبقى فرضيّة حصر الرّد بعملية امنية معقّدة عبر استهداف او “استدراج”احدى “الرؤوس” الاميركية او “الإسرائيلية” الهامة تُدرج لاحقا في خانة “الظروف الغامضة” –وفق ما نُقل عن الكاتب الاميركي المختصّ بالأمن القومي و​السياسة​ الخارجية دانيال ديفنس!